بقلم: طالع السعود الأطلسي
نتطلع مع شعوب عالمنا الإسلامي إلى بَعث روحٍ جديدة في العمل الجماعي لعزة ديننا وأوطاننا (…) يجب تعزيز أواصر التعاون بين شُعوبنا وتفعيل آليات العمل التضامُني في البحث عن الأساليب الكفيلة بإيجاد الحلول الملائمة وتغليب لغة الحوار…” الكلام، “الحكيم” للسيد عبد المجيد تبون، الرئيس المنتدب، لدى القيادة العسكرية، لرئاسة الجزائر… والكلام جزء من خطاب، باسم السيد تبون، تُلِيَ نيابة عنه في افتتاح مؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في مُنظمة التعاون الإسلامي بالجزائر… والراجح أن السيد تبون لم يطلع على الخطاب، وإلا ما كان وافَق عليه… فهو لم يبْلغ بعد تلك الدرجة العليا من البلاهَة التي لا يَفْقه بها ما يقوله… هو لا يفعل، كل يوم وكل سياسة وكل مناسبة، إلا معاداة المغرب… البلدُ الجارُ المغاربي، العربي، الإفريقي، المتوسطي والإسلامي… دفتر التحملات، الذي كلفه الجنرالات بتنفيذه، محورُه الرئيسي هو القَطع التَّام والجِذْري للتَّعاون مع المغرب، وأن يتباهى علَنًا بأنه يرْفُض الحوار معه، وأن يُعامله، بالتصريح وبالتلميح، كونه العدوّ الأول للجزائر، في ماضيها، حاضرها وإلى مُستقبلها… وهو في ذلك لا يستحيي، لا يرف له جَفْن، لا يتعرَّق، لا يخشى عتابا ولا يقبل نُصْحا… فكيف يُعاكس “قناعاته” ويُصرح بما قد يُستعمل ضده ويكون حُجّة عليه في المحاولات العربية، الإفريقيّة والإسلاميّة لإقناع القيادة الجزائرية بوقف عَدائها للمغرب واعتماد الحوار معه، والتراجُع عن قَطائعها معه وفتح مسارات التعاون معه، وفي الفضاءات المُتعددة التي تجمع بين البلدين، الجِوار الجغرافي أولا، بِرصيده التاريخي وبمُمكناته المُستقبلية، وأيضا الفضاءات المغاربية، الإفريقية، العربية، المتوسطية والإسلامية…
القيادة العسكرية للنظام الجزائري، التي قَوَّلت الرئيس ما لا يُحِب ولا يَعْرف قَوْله، حتى من باب مجاملات ونفاق “مَكْلَمة” افتتاح مؤتمر دولي، هي نفسها من وَجَّهت إعلامها إلى تصعيد حملات التضليل وإطلاق الأكاذيب والهجاء الوسخ ضد المغرب وضد ملكه… كما لو أنها خشيت أن يثق الحاضرون في المؤتمر بذلك الكلام، فكشفت حقيقَة نواياها في إعلامها، وخلال أيام المؤتمر… لا بل إن القيادة العسكرية الجزائرية، لم تنْتظر نِهاية المؤتمر لتكشف عن حقيقة “التَّعاون” الذي تخص به المغرب… في الجلسة الافتتاحية، أقحمت رئيسة برلمان الأنديز (وهي عضو مجلس الشيوخ الكولومبي) لتتحدث في الشؤون الداخلية المغربية بمضْمون ما يردده الحكم العسكري الجزائري، رغم أن ذلك البرلمان غير عضو في المنظمة الإسلامية… وسمَحت الرئيسة لنفسها، كما سمحت لها الرئاسة الجزائرية للمؤتمر، التَّحدُّث ضد المغرب، العضو في المنظمة الإسلامية ومؤسسها، والخوض بالتجديف في شؤونه الداخلية… هي عملية استئْجار لنعيق ضد المغرب أمْلتها بَغْضاء الحكم الجزائري وإدْمانه على الكيْد ضد المغرب ولو بأتْفَه الألاعيب… وكان ذلك سقوط في التَّوِّ وعلى الهواء لإدعاء الرئيس في كلمته بحرصه على “التضامن والتعاون والحوار بين الشعوب والدول الإسلامية”…
ذلك النِّظام بِنيويا معْجون بالعداء ضد المغرب… هو عصابة عسكرية، تملَّكت البلاد، بما فوق أرضها وما تحتها من ثروات، وكلَّفت نفسها بما تسميه مواجهة “الحكرة”، في ما يشبه التَّلذُّذ الماجوشي بوَهْم ألم ضحية تلك “الحكرة”… وكأي عصابة، إذا لم تجد أمامها عدوّ فعلي، تفْتعله وتتوهَّمه، لحاجة رصّ صفوفها ودوام نزعة الافتراس فيها… هي ليست دولة… الدولة تتحسس رعاية مصالحها بواقعية وبنفعية، وبهما تعتمد التعاون والحوار والتفاهم أساليب لتدبير شؤون الدولة في أزماتها وفي العادي من أوضاعها… تلك الأساليب الحضارية ليست مُجرد كلمات، هي إرادة وقُدرة، وحدها دولة حقيقية تملكهما… العصابة المُسيطرة على النظام الجزائري يسكُنها التَّوَجُّس، بين أفرادها وإزاء مُحيطها، لذلك لا تتعاون ولا تتفاهم ولا تتحاور مع شعبها أولا… وها هي تأكل المئات من “خدام” النظام لعقود وأكثرهم كانوا من أفرادها، وها هي تُعاني من تآكل آلياتها ومن عجزها على التحوُّل إلى دولة…
السيد تبون اجتمع، قبل أقل من أسبوعين مع ولاة الأقاليم في الجزائر… جمعهم بحضور الحكومة، وألقى فيهم واحدة من تلك الخُطب التي “يجيدها”، المليئة بـ “الوعظ” بِلا إرشاد وبالتمنيات بلا ضفاف… بأن عليهم أن يكونوا في مُستوى التحديات وأن يكونوا ممثلي “الدولة” في الأقاليم… وأن… وأن… في اليوم الموالي للاجتماع، تنقل جريدة “الشعب” عن السيد عبد القادر بريش، وهو نائب بالبرلمان، تصريحات تتمن خطاب السيد تبون أمام الولاة… وأنه اليوم “حرَّرَ الوُلاة من القيود النفسية والإكراهات التي كانوا يعيشونها…” بحيث أنه اعتبرهم يمثلون الحكومة ولأنهم رؤساء حكومات على المستوى المحلي”… وختم النائب وقفته مع ما سمّاه “بالحدث التاريخي” بأن طالب الحكومة “بإعداد نص تشريعي خاص بالقانون الأساسي للولاة”… وفقط ولا غير… قانون أساسي للولاة… وليس أبلغ من هذا المطلب تعبيرا عن فَراغ “الدولة” من المُقَوِّمات القانونية والسياسية و”المنطقية” للدولة… لسنوات والوُلاة وهم يُمارسون مهامهم بدون قانون يُحدد لهم صلاحياتهم، واجباتهم، حقوقهم ومحددات علاقاتهم بباقي السُّلَط والمُؤسسات المكونة للدولة… كانوا يُؤمرون “بقانون” الحاجة السياسية والنفعية لرؤسائهم، الجنرالات، المباشرين وغير المباشرين، وعلى حالة مزاجهم الخاص والعام… واليوم، فقط، يُطالب نائب برلماني بإعداد قانون أساسي للولاة… واليوم فقط، نعرف سِرَّ “القُوَّة الضاربة” المُتَرَنِّحَة في الساحة الدولية، بسبب كونها تُقاد بتضارُب أهواء عصابة الجنرالات… وهي تضرب عرض الحائط بمواصفات الدولة… لأن لباس الدولة بهياكلها وبقواعدها يُضايِقها ويُربِكها ويُشوِّش على سياساتها وعاداتها في إدارة البلاد على هواها ولمصالحها… غير بعيد عن الجزائر، في المغرب تلتئم اللجنة العليا المغربية الاسبانية المشتركة… وهي الإطار العملي للتعاون، والتضامن والحوار بين البلدين… وبين دولتين… دولتين تتعاملان بواقعية في تعميق وتفعيل العلاقات بينهما في جميع المجالات… دولتان لا تمارسان السياسة بالكلام الأجْوَف أو باللغة الأسفنجية… الكلمات لها مدلول ملموس ومؤدى واقعي… التعاون والحوار حقيقيان وواضحان وعلى قاعدة الاحترام المتبادل والذي يتوخى الممكن لتطويع “المستحيل”… منتدى اقتصادي بين رجال الأعمال و12 وزيرا إسبانيا سيبحثون مع نُظرائهم المغاربة في مُقترحات تبادُل منافع واقعية وعملية… هنا ثقافة الدولة مشتركة بين الطرفين لا مجال فيها للمزايدات ولا للمُبالغات، تهدف إلى تأمين التنافُع وعقلنة التدافُع بالمصالح بين البلدين… وهذا الاجتماع، مُحرِجٌ، الْتِئامُه يقلق حُكَّام الجزائر، أما نتائجه فتُغْضِبُهم… لأن العلاقات المغربية-الاسبانية هي النموذج المُضاد للتعامُل الجزائري مع المغرب… وهي تفضح قصور السياسات الجزائرية “وتخبُّطاتها”، وتُبرز التبصُّر الاستراتيجي للدولة المغربية التي يقودها الملك محمد السادس بحكمة قائد تاريخي لدولة وطنية عريقة هي نتاج حضارة زاخرة بالتاريخ ومضيئة لمسارات المستقبل…