أثارت الزيارة التي قام بها رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة لفرنسا الكثير من علامات الاستفهام حول أهداف وأبعاد هذه الزيارة لاسيما من حيث توقيتها.
ويوم الاثنين، بدأ شنقريحة زيارة إلى باريس غير معلنة المدة، والتقى مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وسلمه رسالة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون.
وقبل الغوص في أبعاد هذه الخطوة، فالزيارة لها دلالة؛ إذ إنها الأولى لقائد جيش جزائري إلى فرنسا منذ حوالى 17 عاما، إذ تعود آخر زيارة لرئيس أركان جزائري إلى فرنسا للراحل أحمد قايد صالح في ماي 2006.
ويرى مراقبون أن فرنسا، تنظر إلى النظام العسكري الجزائري كغنيمة سهلة المنال، إذ تعوّل على الزيادة الأخيرة في ميزانية الدفاع الجزائرية، بقيمة 18 مليار دولار، من أجل إبرام عقود أسلحة مع الجيش الجزائري. غير أن هذه الخطوة (بيع الأسلحة للجزائر) عمل شديد الخطورة، وذلك بسبب الشكوك التي تحوم حول الوجهة النهائية لهذه الأسلحة، والتي ستستفيد منها بالتأكيد الجماعات المسلحة في المنطقة، مثل الميليشيات الانفصالية لجبهة “البوليساريو”.
هذه الفرضية المعقولة – والتي تطرحها العديد من الأصوات – ستساهم من دون شك في زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتنامي الهجوم على الوحدة الترابية المغربية.
وفي هذا الصدد، وقّعت قيادتا الجيشين الجزائري والفرنسي “ورقة طريق مشتركة”، لتعزيز التعاون العسكري والأمني.
وأفادت وزارة الدفاع الجزائرية بأن وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنيه استقبل شنقريحة في مقرّ الوزارة أول أمس الثلاثاء، وبحثا “السبل الكفيلة بتعزيز التعاون العسكري والأمني، ليتكلل الاجتماع بالتوقيع على ورقة طريق مشتركة”. ولم يتضمن البيان الجزائري أي تفاصيل بشأن مضمون هذه الورقة.
وحيال ذلك، تذهب بعض التحليلات إلى أن مسألة انتشار الجزائر في منطقة الساحل من بين المسائل التي عالجها الطرفان، ولا سيما في هذا التوقيت الذي يسود فيه شعور حقيقي معاد للفرنسيين بإفريقيا.
هذا الأمر؛ يطرح عدة تساؤلات حول تناقضات باريس، فهذه الأخيرة لها مواقف حادة تجاه روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا وفي نفس الوقت تدعم الجزائر؛ الداعم الرئيسي لموسكو في القارة السمراء.
زيارة شنقريحة إلى باريس والتي أثارت اهتمام الصحافة الفرنسية، أبانت أيضاً ازدواجية مواقف النظام العسكري الجزائري، فهذا الأخير أظهر في الآونة الأخيرة تقاربا نوعيا مع الغرب (باريس وواشنطن)، لكن الطغمة العسكرية في الجزائر لا تزال تعتبر روسيا حليفا تقليديا ثابتا، وبالتالي رحلة شنقريحة إلى فرنسا هي نظرة خداعة تجاه الغرب.
وتدرك فرنسا جيداً، أن الجزائر بإمكانها أن تبعثر الأوراق في مالي والبلدان المجاورة وخلق توتر ميداني من خلال موافقتها على الانغماس الروسي بالمنطقة، وعلاقاتها المشبوهة مع الأنظمة الانقلابية والجماعات المسلحة في مالي وبوركينا فاسو.
ومع ذلك، يُنظر إلى هذه الزيارة على أنها خدمة قدمتها فرنسا إلى شنقريحة، المتهم بارتكاب جرائم وانتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان وتهريب المخدرات والأسلحة، وبالتالي هذه الزيارة أسلوب للتشكيك في اتهامات منتقدي النظام الجزائري.