تحتفظ ذاكرة الشعر العربي بأبيات خالدة، تحولت إلى حكم وأمثال نتناقلها جيلا بعد آخر، ومن بينها بيت في الهجاء من الشاعر الفذ “جرير” في حق خصمه اللدود، الشاعر الذي لا يقل عبقرية “الفرزدق”، عندما قال:
زعَمَ الفرزدقُ أن سيقتُلُ “مَربَعا” أبشِر بِطولِ سلامةٍ يا “مَربَعُ”
بيت شعري يلخص الحالة القائمة في الصحراء المغربية، التي لا تفتأ عصابات البوليساريو تثير حولها الصخب الذي لا يجد صداه إلا في وسائل إعلام النظام العسكري في الجزائر، محاولة إسماعنا “جعجعة” على صفحات الواقع الافتراضي، دون أن يرافقها أي “طحن”، اللهم باستثناء ما تقوم به القوات المسلحة المغربية من “طحن” لبعض رؤوسها الذين يتجرؤون على الاقتراب من الحاجز الأمني الرملي.
آخر “جعجعات” البوليساريو، ما تناقلته وسائل إعلام حول حصولها على بعض الطائرات المسيرة إيرانية الصنع (لا يتصور أن تكون صينية أو تركية، وبالطبع استحالة كونها أمريكية أو إسرائيلية). وكالعادة، رافق هذه الطائرات تجدد التهديدات بأنها “ستقتل مربعا” هذه المرة، وأنه سيتم إدخالها قريبا في إطار الحرب “الصوتية” ضد المغرب، وتدخلها في بياناتها العسكرية حول حربها “الدعائية” شرق الجدار الأمني، لترفع من وتيرة “انتصاراتها” اليومية الموهومة، التي لا يؤمن بإمكانية حدوثها حتى قادتها، ومن يعيدون نشر هذه البيانات في وكالة الانباء الجزائرية.
إن عصابة من المرتزقة، تحتجز آلافا من الصحراويين الأبرياء في مخيمات تندوف والحمادة، تحت إشراف المخابرات والجيش الجزائريين، تجد نفسها مضطرة إلى الاستمرار في “أكذوبة” الحرب اليومية ضد القوات المسلحة المغربية، والتي لم تجد صداها في بلاغ واحد من القوات الأممية المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار “المينورسو”، وهو ما يعني أن أفراد هذه القوات، إما موجودون بشكل دائم على شواطئ جزر الكناري للاستجمام، وليس لهم أي وجود في المنطقة العازلة، وإما، ببساطة، أنهم لم يسمعوا صوت إطلاق رصاصة واحدة من قبل هذه العصابات، وإلا لقاموا بتوثيقه. ويؤمل قادة البوليساريو، أن يضفي خبر “طائراتهم المسيرة” بعض الإثارة المفقودة على بلاغاتهم العسكرية اليومية، القائمة على “النسخ واللصق”!!
ويعلم جنرالات الجزائر قبل “صبيانهم” من البوليساريو، أن ترسانة المغرب، وما تملكه من منظومات متطورة للرصد والتشويش والهجوم والدفاع، يمكنها التعامل بسهولة مع هذه “البعوضات” المسيرة، ومواقع إطلاقها، لاسيما أنها الأقل جودة بين نظيراتها في العالم، كسمعة معظم الأسلحة الإيرانية، وما الشهادة السلبية للقوات الروسية في أوكرانيا بحق المسيرات الإيرانية، التي حاولوا استخدام بعضها في بعض معاركهم، بخافية على أحد!
وقبل هذا وذاك، يدرك جنرالات الجزائر أن موازين القوى بين القوات المسلحة الجزائرية ونظيرتها المغربية، لا تسمح لهم بأي مغامرة عسكرية من أي نوع، وإلا كتبوا شهادة وفاتهم بأيديهم، فما بالك ببضع عشرات من المرتزقة مزودين بأسلحة لا تفيدهم سوى في أداء المهمة المطلوبة منهم: التهريب العابر للحدود للمهاجرين والسلاح والمخدرات، والإمداد اللوجستي للحركات الإرهابية الناشطة في الدول التي تقع على حدود الجزائر (منطقة الساحل والصحراء الكبرى). أي أنها بالكاد تكفي لتأمين الحماية لعصابات التهريب، دون أن يكون من ضمن مهامها أصلا مهاجمة القوات المسلحة المغربية!
وهكذا، نخلص إلى نتيجة حتمية مفادها أن المغامرة العسكرية من طرف الجيش الجزائري ومرتزقته صعبة التصور، لأن ثمنها هو كتابة “شهادة وفاة النظام”، وأن عقيدة جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، تقضى بمحاولة إبقاء هذا الملف “الاستنزافي” أطول فترة ممكنة، عبر معاندة الدبلوماسية المغربية باستخدام الترهيب والترغيب وشراء الذمم والولاءات، في الدول الأفريقية التي لا تزال في وضع تقبل فيه الابتزاز، لاسيما وهم يرون الأرض تهتز تحت أقدامهم دوليا وعلى صعيد الأمم المتحدة، نتيجة افتقار المنظومة الدولية، لأي بديل عملي قابل للتطبيق لخطة “الحكم الذاتي” تحت السيادة المغربية، حتى لو تم تغيير المبعوث الأممي لهذه القضية عشرات المرات، ولهذا السبب تحديدا، قامت بإقبار خطة “الاستفتاء” حول مصير الصحراء المغربية، لاستحالة تنفيذها (الاتفاق على الهيئة الناخبة)، لدرجة أننا نسينا متى كان آخر تقرير أممي وردت فيه عبارة هذا الاستفتاء.
إن الحل الوحيد المطروح أمام النظام الجزائري، والذي يمكنه أن يطيل في عمره بضعة أشهر أو سنوات (لن يمكنه الاستمرار على المدى المتوسط والبعيد، لعظم جرائمه في حق الجزائريين الشرفاء)، يكمن في الجلوس مع المغرب، والبناء على ما بين البلدين من مصالح، وما بين شعبيهما من مشتركات، ليتم بعدها محاولة تجسيد “الوحدة المغاربية” على الأرض، بعد ثلاثة عقود أهدرها النظام الجزائري في إطار حربه “العبثية” مع جار الدم والكفاح، وحرم كافة شعوب المنطقة من مئات المليارات التي كانت ستوجه للمشاريع التنموية، وأبقت مختلف دوله خاضعة لابتزاز الدول الكبرى، دون تحقيق أي فائدة يمكن لأي مواطن على كامل هذه الجغرافيا أن يذكرها أو يدافع عنها.