في وقت خلدت المملكة، الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش، تكون قضية الصحراء المغربية، قد شهدت تحولات كبرى إثر نجاحات دبلوماسية، تحققت بفضل توجيهات ملكية حكيمة.
الدكتورة المتخصصة في قضية الصحراء المغربية والوضع الأمني بالساحل والصحراء، راضية الدباغ، تضع في ورقة تحليلية خصت بها ”مشاهد24”، التحولات الكبرى بملف الصحراء، تحت المجهر.
استهلت الدباغ، ورقتها التحليلية، مبرزة أن الوقوف على التحولات الكبرى التي شهدتها قضية الصحراء المغربية، يفتح الباب أمام محطات ساقتها نجاحات الدبلوماسية المغربية، التي كرست مغربية الصحراء، خلال الفترة الأخيرة وشكلت دفعة قوية، مكنت من تحقيق جملة من المكاسب الجيوسياسية والجيوستراتيجية المهمة، كان أهمها الموقف الإسباني، بخصوص اعتماد الحكم الذاتي كحل سياسي وواقعي والأكثر ملاءمة لحل قضية الصحراء، بعد الاعتراف الأمريكي التاريخي، بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه.
وربطت الدكتورة، المد الإيجابي في ملف الصحراء المغربية، بمجموعة متغيرات، يتقدمها الوعي الملكي المبكر، بـ”عطب الديبلوماسية”، في تدبير الملف وبعمق حقيقة الوضعية التي كان عليها ملف الصحراء والمخاطر والتهديدات الجسيمة، التي كانت تلفه، مسجلة أنه كانت للمقاربة الملكية الاستباقية، أهمية قصوى في تدارك الوضع وإعادة النظر في الجسم الديبلوماسي بشكل استعجالي، ما أثمر حركية جديدة في شرايين مختلف المديريات والمصالح وكذا التمثيليات المكونة لها.
”وتأتي هذه اللمسة الملكية، لما تقضيه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة المغاربية والتغيرات التي همت القوى العظمى، والتقلب المستمر في سياسات أوروبا ومناورات الجارة الجزائرية، التي حاولت محاصرة المغرب إقليميا واستغلال سياسة الكرسي الفارغ في إفريقيا لتضييق الخناق عليه بمحاولة استصدار قرارات تمس بملف الصحراء المغربية”، تضيف موضحة.
ويتمثل المتغير الثاني، في إعادة هيكلة العقيدة الديبلوماسية المغربية، بحيث أصبحت ترتكز على ثلاثية السيادة الثابتة للمغرب على صحرائه كأساس لكل علاقاته، ثم التزام وانخراط المغرب الدائم تحت مظلة الأمم لإيجاد الحل السياسي للقضية، فتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، باعتبارها أيضا مفتاحا لحل هذه القضية وعزز تطوراتها الإيجابية.
المتغير الثالث، يهم تعزيز الإشعاع الدولي للمغرب، حيث ركزت الخارجية المغربية، وفق رؤية ملكية متبصرة، على تطوير نشاط سياسي واقتصادي مكثف لتعزيز الاشعاع الدولي للمملكة، وتوطيد موقعها كفاعل إقليمي على المستوى الإفريقي والمتوسطي والعربي والإسلامي، وتحصين مصالحها الإستراتيجية وتوسيع دائرة تحالفاتها وشركائها خاصة في إفريقياوخارج أوروبا، كالصين والهند وروسيا.
أما المتغير الرابع، فيتعلق بالمصلحة العليا للوطن، إذ أصبحت هي المد الذي يطبع كل علاقات المغرب، في صيغة جديدة اعتمدتها السياسة المغربية، المنبنية على الوضوح وعدم الإزدواجية في المواقف، ما جعل بلادنا، تنتقل من موقف امتصاص الصدمات الخارجية والمساومات الأجنبية ،إلى القيام بردود فعل حادة وصارمة وهجومية تجاه المساومات.
وضربت على ذلك مثلا، اتخاذ المغرب، عدة قرارات في هذا الشأن، كانت ذات طبيعة استباقية، من ضمنها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، على إثر بعض الأنشطة العسكرية التي قام بها حزب الله لصالح البوليساريو، وأيضا قطع العلاقات مع ألمانيا بالرغم من المصالح المشتركة بين البلدين، على المستوى الإقتصادي. ثم كذلك، كيف فرضت الرباط، على إسبانيا نسقا دبلوماسيا مرتفعا، جعلها تستبدل المساومة والابتزاز بدبلوماسية مرنة واعتبارية وأكثر اتزانا تجاه المغرب.
ولفتت إلى أن ”هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مصالح المغرب العليا، تبقى هي المحرك لعلاقاته، وهي رسالة موجهة لكل من يوجد في نفس الوضعية.”
وعودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وضعتها الدكتورة الدباغ، كمتغير خامس، كان له منحيان جيوسياسي وجيو استراتيجي، إذ استفاد منه المغرب لفرض سياسته وتعزيز موقعه الدولي، انطلاقا من منصة إفريقيا التي تفتقد لنموذج قيادي وقوة صاعدة، وهو ما يتوفر في المغرب دون غيره من دول القارة السمراء المنشغلة بأزماتها المختلفة. كما شكل منبرا للدفاع عن ملفات المملكة، تجاه الدول المناوئة للوحدة الوطنية، التي تؤثر بدوائر القرار رغم قلتها.
وضمن نفس الورقة التحليلية، توقفت المتخصصة في قضية الصحراء المغربية، لدى متغير تكثيف المغرب، من نشاطه وتواجده القاري والدولي على نحو تصاعدي، عبر استضافته لعدد مهم من القمم واللقاءات الدولية، ونجاحه في تنظيمها، ومتغير رسم محددات السياسة الخارجية، سواء على مستوى الشراكة أو الجوار أو التضامن، حيث أن المملكة فعلت من آليات، عملها فيما يتعلق بملف الوحدة الترابية، وقدرتها على التأقلم مع المتغيرات الدولية والإقليمية، (الموقف الحيادي للمغرب إزاء الأزمة الأوكرانية والذي شكل مؤشرا واضحا على عزمه التخلص من أية وصاية للدفاع عن مصالحه، حيث لم يشارك في التصويت على قرارين للأمم المتحدة يدينان الغزو الروسي لأوكرانيا، متجنبا بذلك الانحياز لأي من طرفي الأزمة).
أيضا تطرقت إلى متغير اعتماد سياسة فتح القنصليات، أمام الدول التي تعترف بسيادة المغرب على صحرائه، كخطوات قانونية فعلية، تؤكد الأمر على أرض الواقع، ومتغير تحصين مكتسبات القضية الوطنية، ومتغير إدارة الأزمات الذي يتجسد في تدبير ملف معبر الكركرات الحدودي، حيث تمكن المغرب، من احتواء تداعيات الوضع في المنطقة، بحكمة، في احترام كامل للشرعية والمواثيق الدولية، أفرزت إجماعا وإشادة كبيرين على المستوى العالمي.
وتوقفت عند متغير حقوق الإنسان، فيما يتعلق بأوضاع المحتجزين بتندوف وتجنيد الأطفال بمخيمات البوليساريو، مشيرة إلى أن هذا المتغير، ألقى بالجزائر والجبهة الإنفصالية، في زاوية الإتهامات، بعد فشل كل محاولاتها لتحريف مسار التسوية الأممية للملف.
وأخيرا، خلصت الدكتورة الدباغ، إلى كون المتغيرات المذكورة، أكسبت المغرب، أريحية في الدفاع عن قضيته، وحماية مصالحه في المحافل الدولية والإفريقية، مؤكدة أن فصلا جديدا من التعبئة الوطنية الشاملة في إطار رؤية بعيدة المدى، ينطلق نحو الطي النهائي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربي.