بقلم: طالع السعود الأطلسي
دفوعات النظام الجزائري في قضية الصحراء المغربية، نبذها المجتمع الدولي، عبر قرار مجلس الأمن الأخير… دسها في مظروف عنوانه: “لاغية، للحفظ، يوجهه إلى الأرشيف”… قرار مجلس الأمن وضح وطور قرارات سابقة له. قرارات أخصبها سماد مقترح الحكم الذاتي الذي بادر به المغرب… ذلك المقترح هو اليوم بوصلة التوجيه الدولي لحل منازعة جزائرية للمغرب في حق له تاريخي وجغرافي حائز أيضا، على صوابية جيوإستراتيجية.
القرار الأممي ليس وحسب انحياز للمنطلق وللفعل السلميين للمغرب، بل وأيضا تعبير عن ممل دولي من أراجيف، بكائيات وولولات جزائرية شاذة عن الديناميكية السلمية للتاريخ، في المنطقة… وهي الديناميكية المتحركة والمستمرة إلى اليوم في تأكيد مضمون القرار الأممي في العلاقات الثنائية المغربية… مع بريطانيا، كما حدث الأربعاء الماضي… مع الولايات المتحدة أواخر نوفمبر المنصرم… وذلك في سياق تثمين العلاقات الإستراتيجية المتعددة الأبعاد للمغرب مع البلدين، واحتفائهما بمقدراته وممكناته لذاته ولإفريقيا.
العزلة موحشة وباردة، ولا يملك للمنزوي فيها غير الصياح والصفير… طلبا لدفئ صوتي ومؤانسة ذاتية… والقيادة الجزائرية هي من ساقت نفسها إلى هذا الوضع المثير للشفقة عليها.
النظام الجزائري عمق عزلته أكثر وسد على نفسه ممرات الخروج منها… أطلق عقيرته في الفضاء الإعلامي بالويل والثبور ضد المغرب وبالتهديد بالحرب، متباهيا… بوفرة السلاح لديه وبالبطولات القتالية للأجداد… وقطع عن المغرب كل ما يملك أن يقطع… العلاقات الديبلوماسية، الممرات الجوية والأرضية… المنافع الاقتصادية والتجارية، حتى تلك التي فيها أطراف أوروبية… وحشر نفسه في ركن دبلوماسي ضيق ويضيق أكثر مع كل خطوة بلهاء يقدم عليها.
الأزمة التي افتعلها النظام الجزائري مع المغرب هو المتضرر الوحيد منها… الحرب لن يقدم عليها. أولا، لأن المغرب ممتنع عن مسايرة ضجيج جنرالات نظام الجزائر في التلويح بالحرب… لا ذريعة ممكنة من المغرب.
قبل أشهر كان جلالة الملك محمد السادس قد اقترح على الرئيس الجزائري إدارة حوار بين البلدين، وبالصيغة التي يراها… بدل التجاوب مع المبادرة الملكية المغربية، رشح عن النظام الجزائري هذيان محموم، من “مرفوع عنه القلم”… حتى أن الانشغال بما يصدر عن قيادة الجزائر لم يعد ضمن الاهتمامات المغربية السياسية، لا الملكية ولا الحكومية… ولتوضيح التوجيه المغربي، كان “مصدر” من الدولة، صرح لوسائل إعلامية مغربية وخارجية “بأنه إذا كانت الجزائر تريد الحرب فالمغرب يريد السلم”… وترك المصدر، لمن شاء حق ملئ نقاط الاسترسال في ذلك التصريح… بأن من يسعى إلى السلم يستعد للحرب.
ومن دواعي استبعاد إقدام قيادة الجزائر على الحرب ضد المغرب هو عدم توفرها على الضوء الأخضر الدولي. المغرب مفتوح دبلوماسيا على العالم، حلفاء الجزائر ومصدر سلاحها، وبعضهم قبل أن توجد دولة الجزائر، هم أصدقاء المغرب ولديهم معه منافع، بل ويطمحون إلى تطوير علاقاتهم معه.
بعض الدول الأوروبية التي تشنجت من التطورات التي حققها المغرب، هي اليوم تسعى إلى تجديد التفاعل معه، بممكناته وبإعادة رسم لمجالات ومواقع التفاعل بالاحترام والندية التي يستحقها… لذلك لن تكون مع حرب ضد مصالحها حاضرا ومستقبلا… السبب الثالث الذي يرافع عن استبعاد إقدام جنرالات الجزائر على الحرب ضد المغرب، هو في حاصل حسابات توازن القوى العسكرية والتي تميل لصالح المغرب، وضمنها الجاهزية المعنوية للقوات المسلحة الملكية لأن لديها قضية وطنية وستكون في موقع صد العدوان.
وثانيا جاهزيتها القتالية النوعية تأهيلا وعتادا… القوات المسلحة الملكية، على مدى حوالي خمسة عقود، هي في حالة استنفار دائم وعلى أعلى درجات التأهب، دفاعا عن وحدة التراب الوطني، ومارست وتمارس نهجا نوعيا في تطوير قدراتها البشرية واللوجستيكية…
التكديس الكمي للسلاح في المرائب وفي الثكنات، مكن جنرالات الجزائر من استعماله سياسيا لضمان مركزيتهم في النظام وأيضا مكنهم من تأمين تنمية أرصدتهم، ولم يكن هدفهم من ذلك التكديس إلا عائداته عليهم، وفقط. أما التلويح بالحرب فهي لمجرد الاستهلاك السياسي الداخلي والخارجي.
عدة دول عبرت عن رغبتها في القيام بواسطة بين الجزائر وبين المغرب… لمساعدة الجزائر على فك عزلتها وإخراجها من الضيق الذي تقيم فيه… وهي الوساطة التي تفاخر قيادة الجزائر برفضها. والحقيقة أن النظام الجزائري سيتضرر من مسعى المصالحة مع المغرب… لأن الوساطة لن تكون أبدا في صالح القيادة الجزائرية. هي افتعلت قطيعة ولم تضع في حساباتها أن تترك الباب مواربا… أغلقته بالكامل.
أي وسيط سيطلب من طرفي الأزمة تنازلات، صغرى أو كبرى، لتحقيق المصالحة. في هذه الحالة سيكون على النظام الجزائري، وحده تقديم كل التنازلات والتراجع عن قراراته. والمغرب لم يقدم على ما يمكن التراجع أو التنازل عليه.
المغرب يرحب بأي مسعى سلمي من جهة الأصدقاء، لأنه أصلا داعية سلم وراغب في التعاون مع الجزائر في كل دوائر علاقاته معها، الثنائية، المغاربية، العربية، المتوسطية والإفريقية.
المغرب لم يقطع علاقاته مع الجزائر، ولم يمنع طيرانها من التحليق في أجوائه، ويطالب منذ سنوات بفتح الحدود البرية بينهما، ولم يوقف توصيل الغاز الجزائري، عبر المغرب، إلى اسبانيا والبرتغال، والمغرب لا يساند، وبحماس، سياسيا وعسكريا وماليا، حركة انفصالية ضد الجزائر، كما تفعل هي ضد المغرب ولأزيد من خمسة وأربعين سنة، وبدون أثر لذلك في الأرض الصحراوية المغربية وبلا صدى في القرار الدولي… والمغرب لم يتهم الجزائر بإشعال حرائق في غاباته، بل اقترح مساعدتها على إطفاء حرائقها، والمغرب لم يتهم الجزائر “بأكل” عشب ميدان كرة قدم… والمغرب لم يحرض ضد القرارات السيادية للجزائر… والمغرب لا يتحدث ملكه ولا وزراءه بلغة سوقية ضد قادة الجزائر.
سيجد الوسيط نفسه، يخاطب طرفا واحدا لسحب عوامل الأزمة ومسبباتها… إنه النظام الجزائري… وسيجد النظام نفسه في أزمة هو مسببها… أزمة التراجع وحده عن كل قراراته… إنه في حيص بيص… ولكن على نفسها جنت قيادة الجزائر.
القيادة العسكرية في الجزائر لا تتصرف بثقافة الدولة… إنها مجرد شبكة جنرالات لتبادل منافع من تدبير حكم الجزائر. الدولة قوامها، ولو في الحد الأدنى، تجسيد السيادة الوطنية واحتكار الحرص على النظام العام والمصلحة العامة، وتملك حساسية المنفعة العامة، الوطنية… تصدر في سياساتها عن تقديرات عقلانية، تزن فيها الربح بالخسارة… أما في الحالة الجزائرية فالحسابات الوحيدة لقيادتها هي ربح جنرالاتها وأعوانهم… حتى ولو أدى ذلك إلى خسارة تعود على وطن بكامله.
عزلة قيادة الجزائر السياسية عن القرار الدولي في نزاع الصحراء المغربية، والتي يفاقمها رفضها لقرار مجلس الأمن وإعلانها عدم مشاركتها في مفاوضات المائدة المستديرة الرباعية الأطراف… تلك العزلة سيضاف إليها الانعزال المتعمد للجزائر عن الأنشطة الدولية، في كل مجالات التفاعل الإنساني… والبداية بمقاطعة دوري كرة اليد الذي سينظم تحت إشراف الفدرالية الإفريقية لكرة اليد، ما بين 13 و23 يناير المقبل، في مدينتي كلميم والعيون بالأقاليم الجنوبية المغربية… إنها إدارة إفريقية لنشاط رياضي بمشاركة عدة بلدان افريقية، من بينها، مصر، نيجيريا، كينيا، الكونغو الديمقراطية… وتقاطعها الجزائر… تحرم لاعبيها من فرصة الاحتكاك بزملائهم الأفارقة وتطوير مهاراتهم… لمجرد غضب جنرالات الجزائر من تمرد تلك الفدرالية الإفريقية والدول المشاركة في الدوري عن التوجيه الجزائري وعن مسايرة سياسات ضارة بالوحدة الإفريقية ومعاكسة للمغرب… المفيد عمليا وبصدق للمصلحة الإفريقية، الثنائية والجماعية.
مسار الانعزال الذاتي بدأته القيادة الجزائرية، في محاولة لفك عزلتها. وهو مسار حابل بمحطات أخرى إفريقية وعربية ودولية، ستكون القيادة الجزائرية فيه مخيرة بين أن تعالج عزلتها بالمنطق السليم.. منطق التفاعل مع الإرادة الدولية… أو التوغل فيه بتعميق انعزالها.