بقلم: طالع السعود الأطلسي
خلال ندوة صحفية في الرباط، نهاية ثمانينات القرن الماضي، سأل صحفي فرنسي الملك الحسن الثاني، وبنبرة مستفزة، قائلا: “جلالة الملك ألستم قلقون من الرصيد الضخم الذي يتوفر للجزائر من عائدات السوق البترولية؟”… أجابه الحسن الثاني وبشحنة قوية من الحكمة ومن التبصر “كان سيكون عاديا أن أقلق، ولكني وأنا أتابع كيف يتصرف حكام الجزائر بذلك الرصيد المالي الضخم، فإني قلق وأخاف على مستقبل الشعب الجزائري”… جواب تمتد صلاحيته إلى يومنا هذا، وقد انكشف الحجم المهول للخصاصات في الحياة اليومية للشعب الجزائري، والتي تشمل المواد الغذائية الأساسية والبنيات الأساسية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية… بينما يتواصل هوس النظام الجزائري بالمغرب… بل ويتفاقم إلى ما يشبه الإدمان على معاداته للمغرب، مع ما يكلف ذلك من السفه في تبذير المال العام الجزائري، وبلا طائل وبلا منفعة للجزائر، في عمليات فاشلة لشراء خدمات لوبيات وأدوات إعلامية خاصة في واشنطن أو في بعض، العواصم الأوروبية… دون احتساب المجهود المالي للمخابرات الجزائرية في تغذية الذباب الإلكتروني وتوجيه طنينه ضد المغرب… والمفارقة أن ذلك المجهود المالي والمخابراتي، هو من سوء التخطيط وإختلالات بنيوية في التركيب، بحيث يفشل دائما ويفيد فشله المغرب… وبدون مجهود منه…
الصحفية في قناة “بي بي سي” التي طاردت وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلنكن، بسؤال واحد، طرحته عليه أربع مرات، في حوار واحد… في سلوك غير مألوف في الحوار الصحفي… وهي تحاول “استنطاقه” في موضوع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء… تلك الصحفية، والتي لم يكن عملها صحفيا، خدمت المغرب وأفادته، بينما كانت مشحونة بالعداء له… وزير الخارجية الأمريكية أعاد على مسمعها، ومسمع الجزائر من ورائها، أربع مرات الجواب نفسه، ويثبت من خلاله القناعة السياسية للإدارة الأمريكية في تعاطيها مع نزاع الصحراء المغربية…لأربع مرات في حوار واحد رئيس الديبلوماسية الأمريكية سيقول، ضمنيا، بأن القرار الأمريكي بخصوص مغربية الصحراء ساري المفعول وثابت… وحتى الآن ولقرابة سنة عن إعلانه، لم يصدر عن الإدارة الأمريكية ما يفيد التراجع عنه… ويذهب الوزير الأمريكي، وفي المرات الأربع، إلى إعلان أن الإدارة الأمريكية “جد مركزة على دعم مجهودات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، في المسلسل الذي ترعاه الأمم المتحدة، لإيجاد حل دائم ومشرف… وأننا نتحدث إلى كل الأطراف المعنية للاهتمام بما تفعله الأمم المتحدة…”… إنه الجواب، وبتكرار الإفصاح عنه، الذي يبدد أوهام النظام الجزائري… بأن أبرز عدة حقائق في طلقة سياسية واحدة.
حقائق هامة وفي نفس اتجاه التطورات الدافعة لحل النزاع… حقيقة أن مغربية الصحراء لا تراجع عنها في توجهات الإدارة الأمريكية… حقيقة أن الحل السياسي ترعاه الأمم المتحدة وعلى الأطراف (بالجمع) المعنية دعم جهود المنتظم الدولي… حقيقة أن المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا مكلف بالتقدم في اتجاه الحل السياسي الدائم والمشرف، وهو كنه قرار مجلس الأمن الأخير، والمترجم لجوهر مقترح الحكم الذاتي الذي بادر به المغرب.
“مشاكسة” الصحفية استخرجت من الوزير الأمريكي عكس ما كانت ترمي إليه… وأدت إلى قصف الأوهام الجزائرية، من حيث كانت تسعى إلى تغذيتها وإنعاشها… وتلك الجهود الجزائرية قد تبددت… لا بل وتولد عنها ما يزيد تجارتها السياسية كسادا.
أيام قليلة، وبعد عودته من جولة له في إفريقيا، سيستقبل الوزير بلنكن، في واشنطن، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة… في ما يرمز إلى استكمال زيارته الإفريقية… لأن المباحثات بين الوزيرين شملت ملفات إفريقية وضمنها الملف الليبي… باعتبار المغرب فاعل إفريقي وازن…
في موضوع العلاقات المغربية الأمريكية… طال الفشل كل المجهود الجزائري لشراء خدمات لوبي أمريكي من الكونغرس ومن خارجه في اتجاه تلغيمها… بلاغ الخارجية الأمريكية يلح على أن الشراكة الثنائية “طويلة الأمد ومتجدرة في المصالح المشتركة من أجل السلم والأمن والازدهار الإقليمي”… بمعنى أنها علاقة ذات أسس مادية وعملية ولها مفعول ايجابي مطلوب في الموقع الإقليمي للمغرب… نفس البلاغ يشيد باتفاقات 22 دجنبر الموقعة في الرباط، والتي شملت الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء… عكس كل محاولات من حركتهم القيادة الجزائرية لإبطال ذلك الاعتراف.
في موضوع النزاع حول الصحراء المغربية، أوضح بلاغ الخارجية الأمريكية للجزائر ولكل من يعنيه أن يسمع بأن “الحكم الذاتي جاد وذو مصداقية وواقعي”… وهو الشرح الأمريكي للحل “الدائم والمشرف”… كما سبق وأعلن أنطوني بلينكن.
بعد قرار مجلس الأمن الأخير، يشكل لقاء واشنطن، الاثنين، ما يشبه قراءة له، توضحه وتدقق مرجعيته وتؤكد التزام الإدارة الأمريكية بدعم كل الجهود الدولية “للتقدم في حل النزاع، تلك الجهود التي تؤطرها الأمم المتحدة… وضمن تلك الجهود، المسعى المغربي المتطلع، وعبر مقترح الحكم الذاتي، إلى حل النزاع الذي تطيله القيادة الجزائرية… تطيله ويستنزفها، بدون جدوى، ماليا وسياسيا… ويعمق أزماتها… ويزيد من عزلتها عن شعبها… بما تبذره من إمكانيات مالية ومناورات دبلوماسية… تجعل من الجزائر أول الخاسرين فيها وبها، وفقط وحدها.
رحم الله الملك الحسن الثاني، لقد توقع هذا العبث بالجزائر من جهة جنرالات نظامها، وذلك من ما يزيد عن ثلاث عقود… لا يستحق الشعب الجزائري في الإمعان في الإضرار به.