انزلقت العلاقات المغربية الإسبانية إلى منعطف متعرج على خلفية استقبال إسبانيا زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي بجنسية جزائرية مزورة لـ”أسباب إنسانية مزعومة”، رغم متابعته قبل سنوات من طرف القضاء الإسباني بـ”جرائم ضد الإنسانية”.
وبسبب هذا الاستقبال المثير للجدل؛ والذي خرق المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان، والأعراف الدبلوماسية، تمر العلاقات بين المغرب وإسبانيا في الوقت الراهن بلحظات عصيبة من شأنها أن تربك المصالح الاستراتيجية التي تجمعهما.
وتُعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب، وتملك الجارة الشمالية العديد من الاتفاقيات مع الرباط في مجالات حيوية.
أسئلة الرباط وورطة إسبانيا
وبمجرد انتشار خبر تواجد زعيم “البوليساريو” على الأراضي الإسبانية، حاولت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا، تبرير هذه الخطوة، مؤكدة أن العلاقات مع المغرب “لن تتأثر بعد أن استقبلت بلادها زعيم الجبهة الانفصالية لأجل العلاج”، إلا أن نظيرها المغربي ناصر بوريطة شدد بلهجة حادة على أن المملكة تنتظر “رداً مرضياً ومقنعاً” من طرف إسبانيا بخصوص استقبال المدعو إبراهيم غالي.
وتساءل بوريطة في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية “إفي”، أول أمس السبت، عن الأسباب التي دفعت مدريد إلى عدم إبلاغ الرباط بدخول إبراهيم غالي إلى ترابها، مُعلقاً “هل من الطبيعي أن نعلم بهذا الأمر من الصحافة؟”، ثم استطرد: “لماذا فضّلت التنسيق مع خصوم المغرب؟ وهل ترغب إسبانيا في التضحية بالعلاقات الثنائية بسبب حالة المدعو إبراهيم غالي؟”.
وكانت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي استدعت الأسبوع الماضي، السفير الإسباني ريكاردو دييز رودريغيز؛ احتجاجا على استضافة زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي.
وأعربت الخارجية المغربية حينها، عن أسفها لاستضافة إسبانيا لإبراهيم غالي، الذي تتهمه الرباط بارتكاب جرائم حرب خطيرة، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ومنذ تسريب خبر دخول إبراهيم غالي إلى إسبانيا باسم مستعار، طالبت جمعيات حقوقية المدعي العام الإسباني، بإصدار مذكرة توقيف في حق زعيم “البوليساريو”.
ووصلت تداعيات استقبال إسبانيا زعيم الجبهة إلى البرلمان الأوروبي، وهو ما يشكل إحراجا سياسيا للحكومة الإسبانية.
وفي هذا الصدد، تساءل النائب البرلماني الأوروبي في حسابه على موقع “تويتر” قائلا: “بصفتي مواطنا أوروبيا، أتساءل كيف يمكن للحكومة الإسبانية أن تسمح لمجرم سيء السمعة بدخول أوروبا؟”.
مجازفة إسبانية ودور الجزائر
وقال أمين صوصي علوي، الباحث والخبير في مجال الإعلام وصناعة الرأي العام، إن إدخال زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي إلى التراب الإسباني بهوية جزائرية مزيفة لشخص يدعى محمد بن بطوش لتجنب اعتقاله ومحاكمته من قبل القضاء الإسباني على الجرائم التي اقترفها؛ فجّر أزمة حادة بين البلدين، وفضح ازدواجية المواقف التي تتبناها مدريد؛ بحيث تتحدث في العلن بلغة دبلوماسية ولكن وراء الكواليس أظهرت وكأنها ضالعة في التعاون مع الجزائر في دعم جبهة “البوليساريو” الانفصالية.
وأوضح علوي في تصريح لـ”مشاهد24″ أن إسبانيا “متشبثة بدعم الانفصاليين بشكل مُبطّن، لكنها لا تستطيع مواجهة الرباط بهذا الأمر؛ لأنها مضطرة إلى التعاون مع المغرب في عدد من القضايا الجوهرية”.
واعتبر الخبير المختص في صناعة الرأي العام أن المغرب تحوّل مع مرور السنوات إلى دولة قوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط على أكثر من صعيد؛ وهذا الوجه الجديد للمملكة يفرض على اسبانيا أن تُغير طريقة تعاملها، لافتاً أن العلاقات المغربية الاسبانية تطورت كثيرا رغم أن مدريد لا تريد أن يكون على حسابها كي لا تفقد الريادة بالمتوسط.
وفي تعليقه على الموقف المغربي، شدد المتحدث على أن الرباط تتحرك تدريجيا وبرزانة في هذا الملف، مبرزاً أن المملكة نجحت في الضغط على السلطات الإسبانية، لكنها في نهاية المطاف لا تريد أيضاً خسارة إسبانيا كحليف استراتيجي بالمنطقة.
ورأى أن المغرب اضطر إلى نهج هذه الصرامة غير المسبوقة لأن الأمر يرتبط بأمنه القومي، مشيراً إلى أن النظام الجزائري يحاول دائما خلق اضطراب في العلاقات الإسبانية المغربية.
وذكّر علوي بأن المملكة رفضت التقارب مع “الكتلان” بشتى الوسائل كي لا تطعن إسبانيا في الظهر، بينما هي الآن تخالف قوانينها ودستورها وتستضيف زعيم “الانفصاليين” إبراهيم غالي والذي يُوصف بـ”مجرم حرب” لأسباب قيل عنها إنها “إنسانية”، ما قد يُعرّض العلاقات المغربية الإسبانية للخطر.