من النادر أن تجد عاقلا في العصر الحديث، يدافع بالعزة والافتخار،عن إساءة جماعية ارتكبها شعب حيال جاره الأقرب؛ مهما كانت الأسباب والدواعي التي فرضت العداء بينهما،في ظروف تاريخية ولت مع الزمن،لم تعد الأمم المتحضرة تعتبرها مفاخر في سجل تاريخها.
وتعلمنا دروس التاريخ أن العواطف المتأججة تهدأ والعداوات قدتتحول إلى صداقات وتحالفات،حينما يحتكم المتصارعون إلى العقل والمنطق،ويقرون بالخطأ المشترك للمراهنة على السلم والتعايش.
ويبدو أن، خوان فيفاس،حاكم مدينة سبتة المحتلة، منذ حوالي عشرين سنة؛ لم يلقن تلك الدروس في المدرسة، ولذلك تراه يصرح لجريدة (أ ب ث) بأن المدينتين ليستا مدينتين إسبانيتين فقط، بل تشكلان عمق إسبانيا.
ويمضي الحاكم الاستعماري،بعيدا في التغني بهما فيضفي نعوتا على الثغر المغربي السليب، يصفه بمثل ما توصف به المدن الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة؛ وبهذا المعنى فإن المستوطنين الإسبان المقيمين قسرا، بسبتة أو مليلية، هم الأهل الفضلاء؛ أما ما قاله رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، بخصوص التذكير بحق بلاده في استعادة المدينتين المنتزعتين منه ظلما وعدوانا؛ فهو كلام دون أساس أو سند قانوني وتاريخي؛ بل إن تصريحات رئيس السلطة التنفيذية في المغرب، من وجهة نظر الإسباني ،فيفاس، عارية من الصحة.
ويضيف الحاكم،بنوع من الغزل في المستوطنة الاستعمارية: توجد علاقة حب متبادل بين سبتة ومليلية وبين إسبانيا، لدرجة أن الفراق بينهما بات مستحيلا.
ويستمر،خوان فيفاس، المناضل في الحزب الشعبي اليميني المعارض، الحامل لجينات نظام فرانكو، في الترويج لمقولة أصبحت باهتة مع الزمن، مفادها أن سبتة أصبحت فضاء للقاء بين الأعراق والديانات والحضارات. ويجمح الخيال بالحاكم نحو تصور سبتة وكأنها دولة ذات سيادة وكيان مستقل ،جغرافيا وتاريخيا، يرتبط سكانها، بما لا يوجد في غيرهامن وئام وتعايش.
يرفض الحاكم الاعتراف،بأن المدينة السليبة،ما هي إلا رأس حربة عسكرية منغرسة في صدر التراب المغربي، وكيان دخيل منبوذ منذ الاستحواذ عليها بفضل التواطؤ الاستعماري الاسباني البرتغالي. فعن أي تسامح وتساكن يتحدث الاستعماري الجديد: خوان فيفاس؟
لا يقف الأمر عند هذا الحد في تأكيد الطابع الإسباني على المدينتين، بل يتصور الحاكم أن العلاقات بين الموقع العسكري الإسباني وبين المغرب،جائز أن تكون إستراتيجية على كافة الأصعدة لأن الفرص المشتركة كثيرة وواعدة.
هو ينسى فقط،أن الخناق ضاق على المستعمرة “الفاضلة” التي يحكمها بمجرد أن أوقف المغرب النزيف الاقتصادي والمالي اليومي الذي صبرعليه عقودا من الزمن.
يقول خوان فيفاس ، بتبجح واستعلاء : نعم للعلاقات بين المغرب وسبتة؛ وإنما في ظل الاحترام المتبادل، بمعنى انه يساوي بين بقعة أرضية، أصبحت مرتعا للتهريب والحانات وتجارة الممنوعات،وبين دولة بحجم المغرب.
ولا يفوته أن يشيد بزعيمه،بابلو كصادو، رئيس ال الشعبي فقد كان سباقا للرد على تصريحات العثماني؛ موجها اللوم للحكومة الحالية،التي تباطأت في نظره مؤكدا ان المعارضة مستعدة للوقوف إلى جانبها في فض تصريحات العثماني باسم المملكة المغربية.