قال الدكتور محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، إن المقاربة المغربية في حل الأزمة الليبية كانت جد ناجحة.
وأضاف زين الدين في تحليل لموقع “مشاهد24″، أن هذا الأمر يقودنا إلى البحث في العوامل التي مكّنت الدبلوماسية المغربية من حل المشكلة الليبية.
ورأى المحلل السياسي، أن هناك عدة عوامل ساهمت في إنجاح الوساطة المغربية، يأتي في مقدمتها الدعم القوي الذي قدمه الملك محمد السادس للطرفين المتنازعين قصد إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة المفتعلة، كما أن الدبلوماسية المغربية تعاملت بذكاء وإحاطة دقيقة بكل تفاصيل الملف الليبي، حيث يتداخل المعطى الشخصي مع خصوصية المجتمع الليبي، لذلك لم تفرض الدبلوماسية المغربية أية خطة لإخراج ليبيا من مأزقها المفتعل، بل شددت على أن مستقبل ليبيا ينبغي أن يصوغه الليبيون أنفسهم دون وصاية من أحد.
وأردف المتحدث، أن المفاوض المغربي وقف على مسافة واحدة من الحياد مع الطرفين الرئيسيين في هذا النزاع إدراكا منه أن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبيين ممران أساسيان لإنجاح أي تسوية سياسية محتملة.
وفي اعتقاد زين الدين “مكن الحياد الايجابي للمغرب من توفير مناخ سمح ببناء جسور الثقة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي”، لافتاً أن نجاح الدبلوماسية المغربية لا يكمن فقط في بناء جسور الثقة بين طرفي الأزمة الليبية، بل أيضا في الحفاظ على مكتسبات لقاء الصخيرات لكن مع تطويره في مخرجات لقاء بوزنيقة.
وزاد قائلا: “صحيح أن الوقع الميداني ساهم في إدراك الطرفين بأن منطق الحرب لن يفضي إلى بروز طرف رابح، لهذا وظفت الدبلوماسية المغربية بذكاء العامل الزمني لتعمل على إزاحة جملة من العراقيل التي عرفتها اللقاءات الدولية السابقة، بالرغم من أن المغرب تعرض إلى إقصاء ممنهج في لقاء برلين”.
وشدد زين الدين على أن الدبلوماسية المغربية أدركت منذ لقاء الصخيرات أنه لا يمكن حل الأزمة الليبية إلا بترك الليبيين يقررون بأنفسهم شكل النظام السياسي لبلدهم، وشكل المؤسسات الدستورية التي يرتضونها دون وصاية من أي طرف خارجي.
وهكذا –يستطرد المتحدث – فقد أفرز لقاء بوزنيقة خارطة طريق واضحة المعالم لبناء دولة ليبيا لكل اللبيين دون استثناء. ثم أضاف ” إن الأمر هنا لا يتعلق بعملية تقسيم للمناصب السيادية، بل بتوزيع متوازن للسلطات الدستورية بين مختلف القوى السياسية في ليبيا، كما أن هذا اللقاء سيؤسس لبناء دولة قوية بليبيا، حيث ستوضع على طاولة النقاش مسألة إجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل مختلف المؤسسات الدستورية على قاعدة دستورية صلبة.
وأضاف الخبير الدستوري أن هناك نقطة أخرى تحتسب لصالح الدبلوماسية المغربية تتمثل في كونها لم تقتصر فقط على إرساء جسور الثقة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، بل عملت أيضا على بعث رسائل طمأنة لمختلف القوى الإقليمية والدولية المتواجدة في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي تفسره المباحثات الهاتفية التي أجراها بوريطة مع كل من وزيري خارجية روسيا وتركيا عقب الإعلان عن مخرجات لقاء بوزنيقة.
وأكد زين الدين أن هذه المقاربة الواقعية حظيت بإشادة دولية واسعة من قبل القوى السياسية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الذي أظهر تطابقا واسعا في وجهات النظر مع المغرب حول الملف الليبي، خصوصا أن حوار بوزنيقة فتح آفاقا واسعة لمصالحة تاريخية بين الإخوة الليبيين.
واعتبر أن الأهم قبل هذا وذاك هو اجتماع الطرفين على طاولة واحدة، وهو الأمر الذي كان حتى عهد قريب مستحيل التحقق. بيد أن إنجاح هذه المفاوضات سيتوقف بشكل كبير على ضرورة إيمان جميع الأطراف الإقليمية والدولية بضمان حظر ترويج السلاح بليبيا. مثلما يتطلب الأمر سحب مختلف الميلشيات المسلحة المدعومة من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية، لأن المطلوب في هذه المرحلة تثبيت الوضع الميداني في ليبيا.
هذا، وأسفرت جلسات الحوار الليبي بالمغرب في ختامها، الخميس الماضي، عن اتفاق شامل حول المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية في المؤسسات الرقابية الليبية.
جاء ذلك بحسب بيان الجلسة الختامية للقاءات التي استضافتها مدينة بوزنيقة بحضور وزير الخارجية ناصر بوريطة، وأعضاء وفدي المجلس الأعلى للدولة، وبرلمان طبرق (شرق).
وأشار البيان إلى اتفاق الطرفين على استرسال اللقاءات واستئنافها في الأسبوع الأخير من شتنبر الجاري، لاستكمال الإجراءات اللازمة بشأن تفعيل الاتفاق وتنفيذه.