ترأس العاهل الإسباني صباح يومه الثلاثاء، بالقصر الملكي “لا ثرثويلا”بمدريد،أول اجتماع لمجلس الوزراء في عهد الحكومة الاشتراكية الثانية التي يرأسها أمين عام الحزب، بيدرو سانشيث، والتي يشارك فيها بوزراء حزب “أوني بوديمس “.
والاجتماع هو الثاني الذي يرأسه الملك فيلبي،منذ توليه ملك إسبانيا على إثر تنازل والده لصالحه عن العرش؛ في حين يعود الاجتماع الأول إلى شهر يوليو 2018 وتقاسمه آنذاك مع رئيس الحزب الشعبي “ماريانو راخوي” الذي اعتزل الحياة السياسية في وقت لاحق.
ولا يختلف اجتماع اليوم عن سابقيه،فهو ذو طابع رمزي بروتوكولي،يندرج ضمن مقتضيات الفصل 62 من الدستور الإسباني الذي أسس لنظام الملكية البرلمانية في إسبانيا،وفيه يضطلع الملك بدور محوري وازن، باعتباره ضامن وحدة البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
ولا يتخذ مجلس الوزراء أية قرارات سياسية أو تنفيذية، إذ الهدف منه إطلاع الملك على شؤون الدولة والملفات الكبرى التي ستنظر فيها الحكومة؛ وبالتالي يمر المجلس في أجواء ودية هادئة، يغلب عليها طابع التشاور في إطار من المجاملة والاحترام المتبادل.
ودام الاجتماع الأخير أكثر من ساعة بقليل،انصرف بعدها الوزراء إلى مقر رئاسة الحكومة في قصر (لامنكلوا) لعقد الاجتماع الوزاري الأسبوعي وفيه أعلنت قرارات.
وعلى الرغم من أن اجتماع الملك بالوزراء 23 لا يشكل حدثا غيرعادي لأنه يندرج ضمن التقاليد الدستورية المرعية التي بدأ تطبيقها في عهد الملك ،خوان كارلوس، الذي شارك رؤساء الحكومات السابقة 14 اجتماعا ؛ لكن لقاء اليوم الثلاثاء ،بقصر”لا ثرثويلا “يمكن اعتباره حدثا غير مسبوق :فلأول مرة يجلس الملك الإسباني في نفس القاعة ويتقاسم نفس الطاولة مع وزراء من اليسار وصفتهم الصحف اليمينيةالمحافظة بـ “شيوعيين وجمهوريين”.بعبارة أخرى مضادون للملكية .
وتركزت الأنظار على الكيفية التي تعامل بها الملك مع الوزراء غير الاشتراكيين الوافدين إلى قصره، ولوحظ أن طابع اللباقة وحسن الاستقبال ومراعاة أصول البروتوكول جرى احترام كل ذلك.أجلس الملك بالقرب منه رئيس الوزراء ثم نوابه الأربعة وضمنهم زعيم حزب “بوديموس”بابلو إيغليسياس،وهو الوزير الوحيد الذي حضر إلى القصر الملكي بلباس عادي وبدون ربطة عنق، خلاف زميله من حزب “اليسار” الموحد(ألبرتو غارثون) المتعود على ربطة العنق.
وليست المرة الأولى التي يتصرف فيها “إيغليسياس”على سجيته وبتلك الطريقة المثيرة، فقد ألف العاهل الإسباني استقباله أثناء المشاورات مع الكتل البرلمانية التي تسبق تكليف المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة،حين يحضر الزعيم اليساري في هيأة طالب جامعي بسوالف شعر مسدلة على كتفيه.
ولوحظت في المدة الأخيرة مؤشرات تغيير في سلوك إيغليسياس، وموقفه الإيجابي من الملكية بصفة عامة، وذلك منذ اتفاقه مع الشريك الاشتراكي على تشكيل حكومة يسارية ذات هوية تقدمية.
صار نائب رئءس الوزراء،يتصرف كرجل دولة وليس كناشط حزبي معارض، يتباهى بمواقف لم تخل في الماضي وفي عدد من المناسبات من رعونة واستفزاز ملفتين. لم يعد يمتطي الدراجة وإنما السيارة الرسمية الفارهة كما يقول منتقدوه.
ومن الواضح أنه جرى في الاجتماع أمام الملك، استعراض الملفات الأساسية التي تهم الدولة الإسبانية في ظل أجواء سياسية تتسم بالتوتر،بالنظر إلى أن الحكومة اليسارية لا تستند على أغلبية برلمانية مريحة وبالتالي فهي رهينة لأصوات الأحزاب القومية الصغيرة في البرلمان وخاصة تلك الداعية إلى الانفصال في كاتالونيا التي ستدخل معها الحكومة في حوارات ،ينظر إليها اليمين على أنها تفريط في وحدة البلاد وخرق للدستور، بينما يرى اليسار باطيافه،أن المواجهة مع الانفصاليين، لم تحل أي مشكل.
ومن جهتها تقف أحزاب اليمين التقليدي حجر عثرة في طريق بعض الإصلاحات التي تعتزم الحكومة القيام بها مثل النظام القضائي والموازنة العامة للدولة.
في هذه الأجواء يعد اللقاء بين ملك إسبانيا وأعضاء الحكومة اليسارية ، في اجتماع دستوري ،مؤشرا على المضي في نهج تصالحي معتدل ومتدرج بين الملكية واليسار المتطرف، في أفق اعتراف الطرفين بالأمر الواقع،ومسايرة التغيير الحاصل والمتسارع في المجتمع.
وعموما يختلف الاجتماع الأخير عن لقاءات رئيس الوزراء بالملك على انفراد، ففي الأخيرة يوضع عاهل البلاد في تمام الصورة دون إخفاء أسرارالدولة عنه كما يستمع رئيس السلطة التنفيذية إلى رأي الملك بإمعان وتمعن.