أصبح في حكم المؤكد أن يمضي، بيدرو سانشيث،زعيم الحزب الاشتراكي العمالي،ليلة السابع من الشهر الجاري في قصر لا منكلوا (مقر رئاسة الحكومة في مدريد) بعد أن ضمن موافقة الجهاز المقرر في حزب اليسار الجمهوري الكاتلاني، على التغيب عن جلسة التصويت الثانية في البرلمان على المرشح لرئاسة أول حكومة ائتلافية في العهد الديمقراطي منذ الجمهورية الثانية قبل الحرب الأهلية في إسبانيا.
وتضمن البلاغ الصاد عن تنظيم اليسار الجمهوري عدة بنود وإجراءات كانت موضوع مشاورات مكثفة بين الحزبين على مدى عدة أسابيع،شابتها لحظات توتر هددت بانفراطها
وأهم ما اتفق عليه الحزبان هو فتح قناة أو مائدة حوار مفتوح بينهما للبحث عن حلول للمشكل السياسي المستعصي في إقليم كاتالونيا منذ سنوات وتعطل بسببه تشكيل الحكومة أكثر من مرة،ما فرض إعادة الانتخابات التشريعية.
وسادت في الأيام الأخيرة أجواء ترقب وقلق في مدريد وبرشلونة،فقد تخوف المتابعون للتقلبات السياسية من حدوث مفاجآت ضمنها تراجع اليسار الجمهوري عن الاتفاق المبدئي مع الاشتراكيين، مثلما ظهر في الأفق ذات الاحتمال بالنسبة لحزب ،بيدرو سانشيث، جراء الضغوط بل التحذيرات التي قيل إن بارونات الحزب الاشتراكي مارسوها على أمينهم العام وثنيه عن التحالف بل حتى التنسق مع اإلى الانفصال ، فقد تأثر البارونات بالحملة الضارية التي شنها تكتل أحزاب اليمين الثلاثة: الشعبي، فوكس وثيودادانوس. وكال اليمين اتهامات ثقيلة للمرشح الاشتراكي لرئاسة الحكومة وصلت حتى نعت الخيانة، وأنه عرض وحدة البلاد والشعب الإسباني للخطر جراء تحالفه مع الحزب اليساري الشعبوي “بوديموس” أولا وسعيه ثانيا إلى إكمال نصاب الأغلبية في البرلمان لدى اليسار الجمهوري وتنظيمات سياسية إقليمية صغيرة.
وروج اليمين أن، بيدروسانشيث، قدم تنازلات غير معروفة لمسانديه من اليساريين، وإلا ما وافقوا على رئاسته للجهاز التنفيذي.
وتحمل سانشيث والفريق المفاوض باسمه، الضربات والاتهامات الواحدة تلو الأخرى، بحتى اضطر من جهته إلى الهجوم على خصومه السياسيين، منتقدا خروجهم على المنهجية الديمقراطية التي تقضي بأن الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية يصبح من حقه الطبيعي تولي رئاسة الحكومة،مستعينا لتشكل الأغلبية بتفعيل الآليات التي يتيحها الدستور الإسباني.
وانسجاما مع الآلية الدستورية ،طلب سانشيث من أحزاب اليمين وفي المقدمة الحزب الشعبي بزعامة، بابلو كاصادو، تسهيل تشكيل الحكومة عبر امتناع نوابه عن التصويت في البرلمان، ليجنب (التصويت) الدخول في مفاوضات شاقة مع اليسار الجمهوري وبالتالي عدم رضوخ الاشتراكيين إلى بعض الاشتراطات التعجيزية.
وكانت أحزاب اليمين،صعدت لهجة الهجوم على الحزب الاشتراكي وأمينه العام، في غضون الأيام القليلة الماضية، بعد إعلان البرنامج الحكومي الذي توصل إليه الشريكان في الحكومة المقبلة والذي يتضمن التدابير التي ستشكل عماد السياسة الحكومية خلال سنوات الولاية المقبلة إذا ما تأتى لها االصمود في وجه للرياح العاتية التي ستهب عليها من مختلف المصادر والجهات.
وعول زعماء اليمين على شرخ تمنوا وقوعه بين الاشتراكيين وبوديموس، غير أنهم تفاجأوا بسرعة تذويب الخلافات ونسيان الأحقاد السياسية التي باعدت بينهما، بل سجل المراقبون أن بوديموس وأمينه العام ،بابلو إيغليسياس، أظهر مرونة وبراغماتية لو تحلى بها في الماضي لنجح تحالف حزبه مع الاشتراكيين.
واسترعى انتبه المراقبين أن حزب بوديموس،حافظ على سرية الاتفاق وتفاضيل المشاورات مع حلفائهم فلم يسربوا للصحافة أية معلومة من شأنها زعزعة أركان البناء الذي شيدوه مع خصوم الأمس القريب. لم يكشفوا الأسماء المرشحة للاستوزار من حزبهم.
إلى ذلك يعقد مجلس النواب الإسباني صباح غد السبت جلسة مطولة قدتستغرق اليوم بأكمله،يعرض خلالها المرشح “سانشيث” الخطوط العامة للبرنامج الحكومي،يليه تدخل ممثلي المجموعات البرلمانية،بدءا بالأكبر إلى الأصغر.
وتختتم الجلسات يوم الأحد 5 يناير بإجراء الصويت الأول على المرشح لرئاسة الحكومة الذي لن يتمكن قطعا من الحصول على الأغلبية المطلقة،ما يعني إرجاء التصويت الثاني إلى يوم 7 من الجاري حيث تكفي الأغلبية النسبية التي باتت شبه مضمونة، تتيح للرئيس الحالي البقاء في مكتبه برئاسة الحكومة.
ويسود الاعتقاد أن النقاش البرلمان، سيتسم بالحدة والسخونة العالية من جانب اليمين، ليس بغاية أقناع النواب الآخرين بل لتدشين حملة المعارضة الشرسة وتأليب الشارع الإسباني على حكومة لا يتورعون في وصفها بالشيوعية.
ومن المتوقع أن يتجنب المرشح ، سانشيث، الدخول في مهاترات،مكتفيا بالرد بأعصاب باردة وبخطاب هادئ على منتقديه ما دام قد ضمن الأغلبية النسبية في الجولة الثانية.
وطبقا لما تناقلته الصحف الإسبانية المواكبة للمسلسل الحكومي، لن يتأخر سانشيث كثيرا للإعلان عن فريقه الحكومي الذي سيكون مختلفا قليلا عن الحالي من حيث عدد الحقائب لإرضاء مطالب الشريك في التحالف.
وبخصوص أسماء الوزراء، يتجه رئيس الحكومة نحو الإبقاء على الوزراء الأساسيين الذين عملوا معه بتفان وإخلاص خلال الولاية المنتهية ولاسيما وزراء السيادة: الخارجية، الداخلية، المالية، العدل، الشغل، التجهيز والدفاع الوطني؛ في حين ستسند إلى بوديموس الحقائب ذات الطبيعة الاجتماعية، دون استبعاد إشراكها، لبناء جسور الثقة بين الحليفين، في تولي مهام سيادية ليست ذات حساسية أمنية حتى لا يتخذها اليمين ذريعة للهجوم والتشهير والزعم بأن امن البلاد وأوروبا بين يدي غير موثوقة.
وتنتظر الحكومة اليسارية ملفات كثيرة وأجندات ومواعيد، وسيكون اليمين لها بالمرصاد ما قد يعزز صفوفها أو يكون عاملا على إضعافها.
وفي جميع الأحوال سيكون الرهان صعبا والتجربة محفوفة بالمخاطر؛ وليست أحزاب اليمين المحافظ ولا القوميين المتشددين بالراغبين في نجاح حكومة يسارية، كما أن الإسراع بعقد جلسات الحوار بين الحكومة المركزية والمحلية في إقليم كاتالونيا، من شأنه أن يلقي ظلالا من الشك على مآل الحكومة الإسبانية،على اعتبار أن المطالبين بتقرير المصير واستقلال الإقليم، ليسوا كلهم؛ على ملة واحدة واليسار الجمهوري نفسه يتعرض لنقد من منافسيه في الحكومة المحلية بتوجيه الاتهام له بالتخلي عن مطلب الاستقلال وتقرير المصير وهما الكلمتان الغائبتان عن الاتفاق يضاف إليهما أن التنصيص على أن الدستور هو الإطار القانوني للحوار غير مذكور، ما يترك الباب مفتوحا أمام احتمالات كثيرة،وأمام الخيال السياسي لابتكار الحلول لأزمة سياسية عميقة يستغلها المتشددون لإذكاء النيران في كاتالونيا أو غيرها. لقد تجنب الاتفاق ذكر المواضيع الخلافية وتر المجال للتاويل السياسي للغة . وكل حزب يساوره الاعتقاد أنه حقق ما سعى إليه . وهذا ما سيفتح مرحلة جديدة في الحراك السياسي الإسباني قد تفضي إلى اتفاق الفاعلين على مباشرة الإصلاحات الهيكيلية التي ييفرضها التطور السياسي والاجتماعي في إسبانيا الجديدة .