تشير أغلب القرائن السياسية إلى أن إسبانيا ستودع السنة المنتهية وتستقبل القادمة بحكومة جديدة استغرق طبخها وقتا أطول من اللازم؛ فقد ذللت أهم الصعوبات التي عرقلت المشاورات بين الرئيس المكلف، بيدرو سانشيث، والقوى الحزبية التي أراد الزعيم الاشتراكي إ‘شراكها في إتمام الجزء الناقص من أغلبيته المطلقة أو النسبية.
وفي هذا الصدد أعلنت رئيسة مجلس النواب، اليوم الثلاثاء أنها ستوجه الدعوة إلى أعضاء المجلس لحضور وقائع الشروع في تنصيب الحكومة الجديدة يوم الرابع من يناير المقبل في جلسة عامة،يعرض خلالها المرشح لتولي رئاسة الحكومة الخطوط العامة لبرنامج الائتلاف الذي سيقوده، تلوه مناقشة عامة ثم التصويت على منح الثقة،على أن تستغرق العملية يومين تنتهي بالتصويت للمصادقة يوم الخامس من الشهر
وفي حالة عدم حصول،بيدرو سانشيث،على الأصوات الكافية،سيكون النواب ملزمين بالتصويت في جولة ثانية يوم السابع من ذات الشهر؛ وفي هذه الحالة يكفي المرشح الحصول على الأغلبية النسبية.
وطبقا لتقاريرصحافية متطابقة،فإنه بات في حكم المؤكد أن يتغيب نواب اليسار الجمهوري (كاتالونيا) عن التصويت بناء على اتفاق التسوية القضائية لملف زعيم الحزب المعتقل أوريول جونكيراس، الذي سيغادر السجن لامحالة، حتى يتمكن من التوقيع على محضر استلام مقعده في البرلمان الأوروبي بستراسبورغ،ما يخوله الحق في التمتع بالحصانة البرلمانية ضد المتابعات القضائية، دون أن يعني الإجراء القضائي إسقاط العقوبة المحكوم عليه بها ومدتها 13 عاما على خلفية مشاركته في التمرد على الشرعية الدستورية
وليس مستبعدا أن يصادق أعضاء الهيئة المقررة في حزب جونكيراس، يوم الثاني من يناير على الاتفاق الذي توصل إليه حزبهم مع الزعيم الاشتراكي والذي يقضي بإطلاق محادثات بين الحكومة المركزية بمدريد والحكومة المستقلة في برشلونة، قصد إرساء أسس الحوا السياسي في أفق إيجاد حل مؤسسي لأزمة إقليم تدعو فيه أحزاب إلى الاستقلال عن الدولة الإسبانية، بعبر إجراء استفتاء تقرير المصير؛ الأمر الذي تعارضه أغلبية الشعب الإسباني بمن فيهم نسبة مهمة من سكان الإقليم.
ويعتقد معلقون أن المباحثات المحتملة،إذا ما أمكن انطلاقها، قد تستغرق وقتا طويلا في تحديد طبيعة وشكل الحوار وجدول أعماله ؛ بالنظر إلى التباعد الحاصل في الرؤى بين القوى الحزبية بخصوص المآل السياسي للإقليم المتمرد على الشرعية الدستورية.
وقد يصبح التوصل إلى تشكيل الحكومة عنصرا مؤثرا لتخفيف حدة الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد؛ علما أن الأطراف التي تتهيأ للنقاش ،لا يملك ممثلوها الحرية الكاملة لاتخاذ القرار، فهم مجبرون على الرجوع إلى القواعد والأجهزة الحزبية المقررة للاستشارة والاستماع إلى الرأي النهائي.
إلى ذلك جتمع المجلس الفدرالي للحزب الاشتراكي يوم 3 يناير للبت والمصادقة على المنحى السياسي الذي انتهجه الأمين العام رئيس الحكومة المقبل، في ضةء تقارير تشير إلى معارضة تيار في الحزب للتحالف مع بوديموس وفتح حوار دون قيد مع اليسار الجمهوري في كاتالونيا.
وكان أمين عام حزب بوديموس، الشريك الوحيد في الحكومة التي توصف بالتقدمية،قد توصل مع سانشيث، إلى اتفاق تحالف حكومي، تبعته جلسات تفاوض بين الاثنين انتهت بصياغة برنامج مشترك يتضمن عدة إجراءات وتدابير ذات طابع اقتصادي واجتماعي وتربوي،أبدت أحزاب اليمين معارضة قوية بخصوصها لدرجة اتهام للحزب الاشتراكي بتعريض وحدة الوطن للخطر لأنه فضل التحالف مع الشيوعيين والشعبويين والجمهوريين.
والحقيقة أن شراسة هجوم اليمين،إنما تعكس حيرته وأزمته الداخلية ، على اعتبار أن مكوناته الثلاثة ليست منسجمة وإن أدعت ذلك أمام الرأي العام: في الوسط يوجد الحزب الشعبي، وعلى جانبيه يقف بالمرصاد حزب “فوكس” اليميني المتشدد،فيما انهار الطرف الثالث (مواطنون) الذي كان يدعي زعيمه البرت ريفييرا ، الليبرالية المنفتحة، لكنه وقد صار التنظيم أنقاضا بعد هزيمته المدوية في الانتخابات التشريعية فإن، بابلو كاصادو، زعيم الحزب الشعبي، أصبح تحت رحمة “أباسكال” زعيم فوكس.
إلى ذلك لم تعرف أسماء أعضاء الحكومة الجديدة؛ وباستثناء أسماء جرى تسريبها من داخل حزب، بوديموس، يلتزم بابلو سانشيث الصمت بشأن مصير أعضاء الفريق الذي عمل إلى جانبه، وإن كان من شبه المؤكد أنه سيحتفظ بأغلب عناصره وخاصة الذين أبانوا عن كفاءة في التدبير والقدرة السياسية من النساء والرجال.
وفي هذا السياقيتوقع أن يتولى الوزراء. الاشتراكيون المناصب السيادية: الخارجية، الداخلية، العدل،المالية والاقتصاد والدفاع الوطني،فيما ستئول المناصب ذات الطبيعة الاجتماعية إلى حزب بوديموس وقد يتقاسم الحزب عض الحقائب مع الاشتراكيين.
ومن الصعب والمبكر الحكم بالعمر الزمني لحكومة سانشيث الثانية، بالنظر إلى متناقضات قد تهز مكوناتها،لكن موقف اليمين المعادي لها، قد يطيل عمرها،بسبب الإجراءات الاجتماعية المقررة لصالح فئات عريضة من الشعب الإسباني، بشرط أن لا تؤثر سلبا على الدينامية الاقتصادية الكفيلة بتوفير فرص العمل وخاصة للشباب
وفي حالة ما إذا توصلت الحكومة الائتلافية إلى تهدئة نسبية أو مؤقتة طويلة أو قصيرة الأمد ، في إقليم كاتالونيا، فإن استمرار اليمين في موقع المعارضة المتشددة،قد يدوم،دون استبعاد لجوئه إلى كافة الوسائل الكفيلة بتأزيم الوضعية العامة، بمن قبيل اللجوء إلى أساليب مشابهة لما دأب عليه اليسار المتطرف في كاتالونيا وسواها من الإقليم السائرة في منحى مشابه.
وعلى أي سيعرف البرلمان الإسباني في الأسبوع الأول من يناير لحظات وفترات جدل ساخن وعاصف تحت قبته، لكن رئيس الحكومة سيكون هادئا ومطمئنا ما دام قد ضمن التصويت لصالحه في إحدى الجولتين، ولن يكترث بما ستطلقه المعارضة من صيحات قوية في واد.
والحقيقة أن الخطر الذي يتهدد التجربة الحكومية الإسبانية المقبلة يمكن أن يندلع من داخلها في صورة تماس كهربائي بين تياراتها من الحزبين الحليفين، ولذلك فإنها تواجه رهانا صعبا.