وجّه الملك محمد السادس دعوة صريحة ومباشرة إلى الجزائر، لتجاوز الخلافات التاريخية بين البلدين.
وقال الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة الذكرى الـ43 لـ”المسيرة الخضراء”، الثلاثاء الماضي، إن “المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين”، لافتًا إلى أن “وضع العلاقات بين البلدين غير طبيعي وغير مقبول”.
وتلقت دول عديدة بغبطة عالية وبارتياح كبير ما جاء في خطاب الملك، معتبرين أن إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، ستُساهم في تجاوز الخلافات الظرفية التي تقف أمام تطور العلاقات بين المغرب والجزائر.

الدكتور عبد الفتاح الفاتحي
في هذا الحوار نقف مع الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، الأكاديمي المغربي والباحث في قضايا الساحل والصحراء على دلالات هذه الدعوة الملكية الجادة، وكذا تداعياتها المتوقعة على ملف الصحراء المغربية وعدد من القضايا الإقليمية الهامة.
بداية، ما هي دلالات مبادرة الملك محمد السادس فتح حوار “صريح ومباشر” مع الجزائر؟
إن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ43 للمسيرة الخضراء، أعاد التذكير بسياسة اليد الممدودة التي سبق وتبناها الملك محمد السادس في خطب ملكية سابقة إلى الجزائر، من أجل العمل على تطبيع العلاقات البينية وحل الحدود البرية المغلقة منذ سنة 1994.
خطاب الملك اختصر الطريق لانطلاق المفاوضات، وطالما أن الجزائر قبلت المشاركة في المائدة المستديرة بجنيف كطرف أساسي في المناقشات حول الصحراء بعد ضغط توصية مجلس الأمن الدولي، فإن الملك قصر الطريق أمامها للدخول في حوار واضح وشفاف دونما الحاجة إلى وساطة دولية، وذلك استثمارا للكثير من الروابط القوية والمتينة بين البلدين.
لقد بدا واضحا أنه لم يعد هناك أي مبرر للجزائر بعدم الاستجابة لسياسة اليد الممدودة وبالتالي تطبيع العلاقات بين البلدين، وذلك بعدما استجابت لدعوة مجلس الأمن الدولي لحضور المائدة المستديرة بجنيف في دجنبر المقبل. ولذلك فإن الخطاب الملكي اختصر طريق الحوار أولا لتطبيع العلاقات وفتح الحدود دون اللجوء إلى وساطات دولية.
في اعتقادك هل ستتجاوب الجزائر مع هذه الدعوة الملكية، وكيف تفسر صمتها إلى حدود الساعة؟
الكرة حاليا في مرمى الجزائر، وعليها فتح النقاش والخروج بقرار، لكن هل تقبل أم ترفض؟، فهذا مرتبط بالأوضاع وأجندات الجزائر في المنطقة، ولاسيما المناخ السياسي بالجزائر، وعلى ما يبدو فإن هذه الأخيرة مجبرة على المحافظة في استمرار حارس هيكل العقيدة العسكرية للجزائر.
وعليه، فإن أمر القبول بالاقتراح الذي جاء في الخطاب الملكي فيه من الجرأة والشجاعة السياسية يصعب استيعابها جزائريا على الأقل باستمرار تحكم القادة التقليديين في زمام الحكم بالجزائر.
لكن الجزائر بعد هذه الدعوة الصريحة من عاهل المملكة المغربية، ستجد نفسها في وضع لا يحسد عليه أمام المنتظم الدولي، خاصة أمريكا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، سيما أن القرار الأخير لمجلس الأمن 2440 حث على حضور الجزائر في أي محادثات مرتقبة في جنيف حول الصحراء المغربية في دجنبر المقبل.
كما أن الحكمة السياسية تقتضي اقتناص الجزائر لهذه الفرصة طالما أن الملك لم يقرن فتح حوار مباشر بأي شروط، من قبيل تخليها عن دعم جبهة “البوليساريو”، وإنما هناك قضايا عالقة بالمنطقة المغاربية وفي إفريقيا، على الجزائر فتح نقاش فيها والتعاون مع المغرب، وتتعلق أساسا بالهجرة السرية والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، والقضايا الإقليمية كالوضع في ليبيا.
المنتظم الدولي والعربي أشاد بمبادرة العاهل المغربي. هل هي بداية لإنهاء نزاع الصحراء المفتعل؟
لا أحد سيقبل بحالة الاستثناء الوحيدة في العالم، والمتعلقة بإستمرار غلق الحدود البرية بين البلدين ولذلك سارعت الأمم المتحدة ودول عربية بمباركة المبادرة الملكية، الأمر الذي يزيد من حجم الضغط الدولي على الجزائر، سيما أن المقترح المغربي جد مقبول في الأوساط الشعبية بالجزائر وفي إفريقيا وفي الاتحاد الأوروبي وفي أمريكا.
واقع كهذا قد يدفع الجزائر إلى محاولة الخروج من الورطة باعتماد نهج براغماتي مؤقت، لتجاوز عدم الظهور بمظهر الرفض لكل مبادرات الحوار، لكنها ستستمر فيما بعد على طريق الصراع الإقليمي من أجل تحقيق هيمنة إقليمية على المنطقة من دون المغرب، الأمر الذي سيزيد من إطالة أمد النزاع حول الصحراء.
الملك محمد السادس شدد في خطابه الأخير على أنه ظل ينادي بفتح الحدود بين البلدين في مناسبات عديدة. بصفتك خبير في قضايا الساحل والصحراء ماذا ستربح الجزائر والمغرب من فتح الحدود؟
سيربح البلدين أولا تنمية الأقاليم الحدودية وإخراجها من واقع التهميش كمناطق على هامش الدولتين، وتنشيط اقتصادي وسياحي وثقافي وأمني كبير.
ثم التسريع بإعادة بناء اتحاد المغرب العربي، وتقوية نفوذه الجيواستراتيجي في مفاوضات إقليمية ودولية، كتقوية الموقف المغاربي حين التفاوض مع أوروبا بشأن الهجرة ومحاربة الإهاب وتعهدات الشراكة وغيرها من القضايا الاستراتيجية والحيوية.
ومن جهة أخرى، يصبح بإمكان البلدين تدبير طموحاتهما الجيوسياسية والاقتصادية في الفضاء الإفريقي وتجاوز نزعة الصراع الإقليمي.
لكن إذا حصل العكس، ماهي التكلفة السياسية والاقتصادية وكذا الاجتماعية في بقاء الحدود مغلقة بين المغرب والجزائر؟
من غير الطبيعي أن يبقى إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر حالة الاستثناء في العالم، الأمر الذي يفوت على البلدين إمكانيات التعاون السياسي والأمني لمواجهة تحديات الهجرة والإرهاب، ويهدر الكثير من الزمن السياسي على بناء اتحاد المغرب العربي، وكذا الكثير من الإمكانيات السياسية والإقتصادية الهائلة.
قد يبدو واضحا للجزائر اليوم، أن كل الكيانات تعمل بمنطق الحوار والسياسة الواقعية ويمكنها أن تعتبر بفتح الحدود بين اريتيريا واثيوبيا رغم حالة الصراع العسكري العميق بينهما وكذا انفراج العلاقات بين الكوريتين.
الملك دعا في خطابه إلى خلق آلية سياسية مشتركة للحوار بهدف تجاوز كل النقط الخلافية بحسن نية. في اعتقادك ما هي أبرز الملفات التي تعيق تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية؟
الخطاب دعا إلى حوار مفصلي خاص بتطبيع العلاقات البينية تتعلق بفتح الحدود وأبقى على حوار الصحراء في الأمم المتحدة. وهذا نهج عقلاني لأنه في النهاية يكشف حقيقة علاقة الجزائر بقضية الصحراء طالما تقول أن لا علاقة لها بهذا الملف.
لا أعتقد أن هناك ملفات تعيق تطبيع العلاقات على الأقل من الجانب المغربي، خاصة بعد تحييد قضية الصحراء التي ستتداول في مسار أممي والجزائر ستحضر طرفا رئيسيا.
إن الظروف جد سالكة لفتح الحدود بمجرد إعادة قادة الجزائر النظر نحو مستقبل اتحاد المغرب المغربي وتنشيط العلاقات البينية بفتح الحدود بين البلدين وخلق فرص نمو بالمناطق الحدودية ما لم تعرقلها الجزائر بشروط فضفاضة.