وجه الملك محمد السادس، اليوم الثلاثاء، رسالة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الخامس حول القدس، الذي تستضيفه الرباط، وتنظمه اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، وذلك أيام 26 و27 و28 يونيو الجاري.
وتلا وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة هذه الرسالة، والتي أكد فيها الملك محمد السادس أن المغرب أخذ على نفسه عهدا لا رجعة فيه بأن يعيد للشعب الفلسطيني كل حقوقه غير القابلة للتصرف، باعتبارها حقوقا مشروعة بقوة القانون الدولي، وحقائق الأرض، وشهادة التاريخ.
وشددت الرسالة الملكية أن هذه الدورة تختلف كثيرا عن سابقاتها، لأنها تنعقد في سياق مستجدات خطيرة، تتمثل في قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، وإقدامها على افتتاح هذه السفارة بشكل رسمي بتاريخ 14 مايو 2018. “وهي خطوة اعتبرناها، نحن في المغرب وعلى الفور، مرفوضة وتتعارض مع القانون الدولي، ومع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة”.
لذلك يستطرد العاهل المغربي في رسالته “بادرنا بصفتنا رئيس لجنة القدس، إلى استباق الإعلان عن هذا القرار بتوجيه رسالتين إلى كل من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، أكدنا فيهما أن أي مساس بالوضع القانوني والسياسي والتاريخي للقدس، ستكون له تداعيات خطيرة على السلام في المنطقة، ويقوض الجهود الدولية الهادفة لخلق أجواء ملائمة لاستئناف مفاوضات السلام، قصد إيجاد تسوية عادلة وشاملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أكدنا لأخينا الرئيس محمود عباس، رفض الخطوة الأمريكية، وتضامن المغرب المطلق، والتزامه القوي ببذل كل الجهود الممكنة، لتعبئة المجتمع الدولي، من أجل نصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية”.
ووصف الملك محمد السادس القرار الأمريكي بـ”الخطوة التي تتجاوز الشرعية الدولية، ومساسا بقواعد هذه المرجعية، وينتقص من هيبة المنظومة الدولية، ويهدد الأمن والاستقرار داخل المنطقة وخارجها”.
ونظرا للمستجدات المقلقة والخطيرة التي تبعته، “فإننا نعتبر أن الإصرار والتشبث بتنظيم هذه الدورة في موعدها، يجسد الوعي الدولي بأهمية تجاوز كل الصعاب، التي ما تزال تحول دون تسوية هذا الصراع، ويبقي على الأمل بإيجاد طريق سالك يقود إلى هذه التسوية”.
وأكد العاهل المغربي في رسالته “أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قام على أساس مفاهيم مغلوطة، وظل يتغذى بأفكار خاطئة ومضللة، ويخضع لرؤى ضيقة، إلى أن أصبح صعبا ومعقدا. ورغم ذلك، فإن الفرصة ما تزال متاحة للتعاطي معه كمجرد صراع يمكن إنهاؤه، وليس قضاء أو قدرا محتوما يجب تقبله”. مشدداص على أنه صراع قابل للتسوية، إذا ما تم التخلي عن الأوهام والحنين إلى الماضي، والتحلي بروح الواقعية والتطلع للمستقبل. ومن ثم، فإنه يتطلب تفاعلا عقلانيا مع التاريخ، من خلال الانخراط في ديناميته الإيجابية، التي تدفع إلى الأمام نحو مستقبل أفضل، والقطع مع الأفكار السلبية الهدامة، التي تجر أصحابها للوراء.
وزاد الملك “لقد طال أمد هذا الصراع بشكل يبعث على الكثير من الحسرة والأسف، وهو الذي خلف، ولا يزال، العديد من الضحايا الأبرياء، وفوَّت، ولا يزال، فرص النماء والعيش بحرية وأمان على العديد من الأجيال، وأحدث، ولا يزال، مزيدا من الشرخ والانقسام في صفوف المجتمع الدولي، والأخطر من ذلك، أنه كلما استمر العجز والتقاعس في معالجته، كلما ازدادت تسويته صعوبة وتعقيدا، وازداد وقعه على المنطقة والعالم تأزما وكارثية”.
وأردف “إن طول مدة هذا الصراع، والجمود السياسي الذي يطبعه، منذ سنة 2014، لا ينبغي أن يتحولا إلى عامل كلل أو ملل، أو يفسح المجال أمام مواقف سلبية وقرارات مجحفة، تعمق الشعور بالغبن والتذمر لدى الفلسطينيين، وتزج بهم في حالة من التطرف واليأس”.
لذا، فقد أصبح من واجب المنتظم الدولي الإسراع بتوحيد الجهود، من أجل وضع هذا الملف على طاولة التسوية التفاوضية المنصفة والآمنة، وفق مسار محكم، يقوم على رؤية واقعية وجدولة زمنية محددة، ويستند إلى المرجعيات القائمة، وينخرط فيه الطرفان بجدية وإرادة ومسؤولية.
كما يجب على القوى الدولية الوازنة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى القوى الإقليمية المؤثرة، القيام كل من موقعه، بدور مسؤول ومنصف.
وأضاف الملك، ان “انسداد الأفق السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي تذكيه قرارات أحادية الجانب، وممارسات مستفزة للشعور الوطني الفلسطيني، هو السبب الرئيسي في خلق حالات الاحتقان، التي تؤدي إلى أعمال العنف المتبادل، والاستخدام المفرط للقوة من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي”.
وبحسب الرسالة الملكية فقد تجلت مظاهر هذا الاحتقان في قطاع غزة، خلال مسيرات العودة، ذات الطابع السلمي والرمزي عند الشريط الحدودي للقطاع، التي ردت عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على المتظاهرين. مما أدى إلى استشهاد العشرات، وجرح المئات، من بين الفلسطينيين المدنيين العزل.
وقد بادرت المملكة المغربية في حينه إلى التعبير عن إدانتها ورفضها لهذا السلوك الإسرائيلي الخطير والمنافي للقانون الدولي، وعن حزنها الشديد إزاء هذه الأحداث المأساوية، التي تفاقم المعاناة الإنسانية لدى أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق.
وأكد أنه “حرصا منا على المساعدة على تخفيف هذه المعاناة، وتجسيدا لتضامننا الميداني والملموس مع أشقائنا الفلسطينيين، فقد أقدمنا على مبادرة إنسانية، وأشرفنا شخصيا على إطلاقها، بتزامن مع شهر رمضان الفضيل. وقد همت قطاع غزة، وتم توسيعها لتشمل القدس الشريف ورام الله”.
كما “عملنا على إقامة مستشفى ميداني تابع للقوات المسلحة الملكية المغربية في قطاع غزة، يتوفر على مجموعة من التخصصات الطبية، بما فيها طب الأطفال، وجراحة العظام، والجهاز الهضمي والعيون والأذن والأنف والحنجرة”.
وشدد العاهل المغربي أن القدس بحاجة إلى حشد المزيد من الجهود الدبلوماسية، لاستصدار قرارات دولية ملزمة تحميها وتحافظ على طابعها الروحي والحضاري والقانوني، وإلى عمل ميداني يهتم بالجوانب التنموية والاجتماعية والإنسانية، التي من شأنها مساعدة أهلها الفلسطينيين على الصمود في وجه سياسات التشريد والإبعاد والتهجير، التي تمارس في حقهم.
وهذه المقاربة “هي التي نعتمدها، بصفتنا رئيس لجنة القدس، سواء من خلال الاتصالات المنتظمة والمكثفة مع قادة الدول المؤثرة والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة والرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو من خلال العمل الميداني المتواصل الذي تقوم به، بتوجيهات منا وتحت إشرافنا، وكالة بيت مال القدس الشريف، التي استطاعت إنجاز العديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الهامة في المدينة المقدسة، شملت قطاعات الإسكان والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والعناية بالمرأة والطفولة والشباب والفئات في وضعية صعبة”.