رغم أن الفصل 7 من دستور المملكة المغربية ينصّ على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، إلا أن هذا الدور يكاد يغيب على أرض الواقع خصوصاً في المناطق التي تشهد احتجاجات اجتماعية مطالبة بتحقيق التنمية.
وبحسب مجموعة من المراقبين، فإن غياب دور الوساطة السياسية من طرف الأحزاب والتي تعتبر آلية جد هامة لتقريب وجهات النظر بين المحتجين ومؤسسات الدولة، ساهم في تأجيج الوضع بمدينة جرادة، والتي تشهد منذ حوالي 3 أشهر احتجاجات متفرقة تطالب ببديل اقتصادي وفرص للشغل وتنمية هذه المدينة المنجمية.
والملاحظ أن بعض الأحزاب السياسية في البلاد وكأنها “فاقدة للوعي”، ولا تمتلك أي تصور أو منهجية للدخول في حوار مباشر مع المواطنات والمواطنين للاستماع إلى مطالبهم الاجتماعية في جرادة أو غيرها، والعمل على بلورتها لتتحول مستقبلاً إلى حقائق ملموسة ينتفع منها المواطن.
ويرى محمد الفتوحي، المحلل السياسي في تصريح لـ مشاهد24، أن عجز الأحزاب السياسية عن تأطير المواطنين بجرادة ساهم في اتساع الهوة بينهما، داعيا الأحزاب إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه المواطن كي تأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي أفرزت جيلاً جديداً من المغاربة بوعي عميق.
وأضاف الفتوحي، أن تحقيق التنمية الحقيقية يتطلب نخباً سياسية تشعر بوعي عميق وتعتمد تواصلاً حقيقياً مع المواطن.
ويعتقد المحلل السياسي أن أزمة الثقة بين الأحزاب والمواطن المغربي ليست وليدة اللحظة بل إن بوادرها ترجع إلى أوائل الألفية الحالية، إذ بدأنا نلمس تقلص دور الأحزاب السياسية وغيرها من مؤسسات الدولة في تنظيم وتأطير المجتمع.
وأشار المتحدث إلى الأحزاب المغربية، بمختلف اتجاهاتها السياسية، سواء في الأغلبية أو المعارضة، مطالبة اليوم بتأطير الفئات الاجتماعية كي لا يتكرر سيناريو “أحداث الحسيمة”.
من جانبه يرى الدكتور مصطفى كرين، رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية في تصريح لـ مشاهد24، أن الأحزاب السياسية بالمغرب “لم تقم بتطوير منظورها وطريقة تعاطيها مع الأحداث في البلاد، بحيث ظلت حبيسة زمن الحرب الباردة في تفكيرها وشخوصها ومبادراتها”.
ويعتقد كرين، أن تدبير الشأن العام حتى في علاقته بالأحداث الوطنية والدولية تجاوز الزمن السياسي والإيديولوجي ودخل منذ مدة طويلة في الزمن الاجتماعي الحقوقي، بينما الأحزاب “لم تقم بمسايرة هذا التطور حيث وجدت نفسها تتداول خطابا متجاوزاً وبالتالي غير مثير للاهتمام بالنسبة للرأي العام”.
وفي تحليله للمعطيات الراهنة بمدينة جرادة، يؤكد المتحدث، أن الأحداث التي تشهدها هذه المدينة المنجمية “ذات طابع اجتماعي وحقوقي، ولذلك لم ولن تستطيع الأحزاب السياسية أن تقوم بأي دور فيها إلا من خلال العمل على تسييسها وأدلجتها وبالتالي إفراغها من مضمونها”.
واستطرد رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، أن هذا السيناريو المذكور يحدث بشكل متكرر في الحركات الاجتماعية إما بنية أو جهل، مما يؤدي إلى إفشال هذه الحركات ودفعها للدخول في مواجهة مع مؤسسات الدولة وتصفية كل إمكانية أو فرصة لظهور وعي اجتماعي جديد مساير للمرحلة.