وجه الملك محمد السادس، رسالة إلى القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي _الاتحاد الأوروبي، التي افتتحت أشغالها في وقت سابق اليوم الأربعاء، بالعاصمة الإيفوارية، أبيدجان.
إفريقيا والمستقبل
وقال العاهل المغربي في رسالته، “إن المملكة المغربية تشيد بعقد هذا اللقاء، الذي يجمع القارة التي ننتمي إليها، إفريقيا، والقارة التي تربطها بها علاقات الجوار والشراكة، أوروبا. كما تؤكد التزامها الكامل، بدورها الطبيعي، كصلة وصل بين القارتين؛ وهو الدور الذي تقوم به بكل اعتزاز”.
وأضاف الملك قائلا: “بعد مضي سبعة عشر عاما على تأسيسها، ما تزال الشراكة بين إفريقيا وأوروبا تحتفظ بوجاهتها وبكل مقوماتها. إلا أن الظرفية الراهنة لم تعد ملائمة للقيام بالتشخيصات، أو التمادي في السجالات العقيمة والمتجاوزة. بل إن الوقت الآن هو وقت الجد والعمل. فالحوار الشجاع والمسؤول المفتوح بين الدول المستعمرة، ومستعمراتها السابقة، ينبغي أن يظل صريحا ومباشرا”.
وتابع الملك محمد السادس، “إن الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي تجمعان إقليميان لا محيد عنهما. ولأن كلا منهما يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للآخر، فهما بالتالي على نفس القدر من الأهمية. كما أن التضامن بين أوروبا وإفريقيا ليس مفهوما فارغا، ولا يعني وجود علاقة ترتكز على العمل الخيري الإنساني من جانب واحد. فالتضامن المقصود هنا يقوم على المسؤولية المشتركة، وترابط المصالح بين الطرفين على حد سواء”.
وشدد العاهل المغربي بالقول “لذا، يتعين من الآن فصاعدا، الحديث عن وجود شراكة أفقية حقيقية، عوض المنطق القائم على تقديم المساعدة، وفق منظور عمودي. ومن هذا المنطلق، فالشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا مطالبة بالتطور، والارتقاء بها إلى مستوى ميثاق مشترك”.
قضايا الهجرة والمهاجرين
ولم يفوت الملك محمد السادس هذه الفرصة لتقديم وجهة نظره في قضايا الهجرة والمهاجرين، وأكد في رسالته أن “العلاقات بين إفريقيا وأوروبا، تتميز على الدوام، بحركية نشيطة للتنقلات البشرية، وبتوالي موجات الهجرة بينهما. فعشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة يسعون كل يوم للوصول إلى أوروبا، على حساب حياتهم، في الكثير من الأحيان” مشيرا إلى أن القرن الحادي والعشرين” سيكون قرن التلاقحات والتمازجات الكبرى بامتياز”.
فبعض الدول- يردف الملك محمد السادس – بحكم موقعها الجغرافي، تشكل قبلة للمهاجرين، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، الذي ظل يستقبل على الدوام موجات متتالية للهجرة، ولاسيما بعد حصوله على الاستقلال. ولايزال الوضع كذلك إلى يومنا هذا. وشركاؤنا الأوروبيون والمغاربيون يعرفون جيدا هذه الحقيقة. وقد برز مفهوم الحدود في إفريقيا مع حصول بلدانها على الاستقلال. غير أن التعاطي مع مسألة الهجرة، بعد فترة الاستعمار، لم يحقق إلا نجاحاً محدودا.
واعتبر الملك في رسالته أن ليبيا، التي تشكل اليوم نقطة العبور الجديدة بين إفريقيا وأوروبا، أصبحت بمثابة الجسر الذي تتدفق عبره الآفات بشتى أصنافها، والبؤرة التي تتدافع نحوها المصائب والمآسي كلها. وقد تتبعنا بكامل القلق والامتعاض، ما تناقلته وسائل الإعلام من أنباء، حول الممارسات الفظيعة التي يتعرض لها عدد من المهاجرين في هذه المنطقة، التي تقع بجوارنا.
الاتحاد المغاربي.. الحلم
وأكد الملك محمد السادس في ذات الرسالة، أن دول المنطقة كانت ستكون أكثر قوة في مواجهة تحدي الهجرة، لو كان الاتحاد المغاربي موجودا حقا، مشيرا إلى أن “ساعة العمل قد دقت” وأنه “ينبغي العمل على تطوير السياسة الأوروبية في هذا المجال”.
وقال الملك “لقد كان بمقدور تجمعاتنا الإقليمية التصدى لهذا الوضع، بطريقة أكثر نجاعة وفعالية. وهنا يمكن أن نفكر في الاتحاد المغاربي لو كان موجودا حقا، لكنا أكثر قوة في مواجهة هذا التحدي”.
وأضاف “لكن مع كامل الأسف، فالاتحاد المغاربي لا وجود له، وبسبب النزاعات الإقليمية، فإن أفواجا عديدة من المهاجرين، غالبا ما تقع فريسة لشبكات الاتجار بمختلف أصنافها، التي تمتد من ترويج المخدرات إلى التنظيمات الإرهابية”، مؤكدا أن المغرب “ظل ولا يزال يدفع ثمن هذا الوضع منذ زمن بعيد”.
هجرة الأدمغة
ووقف الملك محمد السادس في رسالته على ظاهرة هجرة الأدمغة، حيث قال في هذا الصدد: “من غير المقبول أن تكون أفضل المواهب الإفريقية، سواء داخل المدارس والمعاهد المرموقة، أو العاملة في مقاولات القارة، محط أطماع الأوروبيين، وذلك في تجاهل تام للاستثمارات التي وظفتها البلدان الأصلية لهذه المواهب، من أجل تكوينها”.
وأضاف “إننا نعتبر أن هجرة الأدمغة المترتبة عن الاستقطاب ظاهرة تبعث على الأسف والاستنكار. ونظرا لكون المغرب بلدا للهجرة والعبور والاستقبال، فقد اعتمد مقاربة شمولية لقضية الهجرة، ووضع لها تصورا إدماجيا إيجابيا. وإذا كنا ندرك طبيعة التحديات التي تطرحها إشكالية الهجرة، فإننا في المقابل نعرف تماما ما تحمله من جوانب إيجابية”.
حلول ملكية
وبصفته رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة، قال العاهل المغربي إنه حريص كل الحرص على أن يقدم، أثناء مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي المقبل، مجموعة من المقترحات إلى الإخوة والأخوات رؤساء الدول، وذلك من أجل صياغة خطة عمل إفريقية بشأن الهجرة.
وأكد الملك محمد السادس أنه “وضع اللبنات الأولى لهذه الخطة في شهر يوليوز 2017، من خلال المذكرة الأولية التي تم تقديمها إلى أخينا، الرئيس ألفا كوندي، أثناء مؤتمر القمة التاسع والعشرين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي”.
وانسجاما مع هذه الخطة المتكاملة والمندمجة، يستطرد الملك، “يتعين علينا أن نتخذ موقفا موحدا، ونتكلم بلسان واحد لإسماع صوت إفريقيا، بما يتماشى مع خطة العمل التي وضعناها بأنفسنا”.
واليوم، وفي ظل تسارع حركة الهجرة بوتيرة غير مسبوقة، يؤكد الملك “أصبحت هذه الخطة تفرض نفسها بإلحاح شديد، وتقتضي تفعيلها على أربعة أصعدة: وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا. وفي هذا الصدد، ينبغي الحرص على تصحيح أربع مغالطات وهي
• الهجرة الإفريقية لا تتم بين القارات، في غالب الأحيان. فهي تقوم قبل كل شيء داخل البلدان الإفريقية؛ إذ أنه من أصل 5 أفارقة مهاجرين، 4 منهم يبقون في إفريقيا؛ • الهجرة غير الشرعية لا تشكل النسبة الكبرى؛ فهي تمثل 20٪ فقط من الحجم الإجمالي للهجرة الدولية. • الهجرة لا تسبب الفقر لدول الاستقبال، لأن 85 ٪ من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول؛ •التمييز بين بلدان الهجرة وبلدان العبور وبلدان الاستقبال لم يعد قائما. وفي إطار هذه الخطة، فإن الدول الإفريقية مطالبة بالنهوض بمسؤولياتها في ضمان حقوق المهاجرين الأفارقة، وحفظ كرامتهم على أراضيهم، وفقا لالتزاماتها الدولية، وبعيدا عن الممارسات المخجلة واللاإنسانية الموروثة عن حقبة تاريخية عفى عنها الزمن.