تتجه القيادة الجديدة التي أمسكت بمقاليد الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، نحو أفق سياسي،يبدو غامضا ومقلقا.
وكان التيار اليساري بزعامة، بيدروسانشيث، استطاع الفوز في الانتخابات الأولية بمنصب الأمانة العامة، ضد منافسيه المعتدلين: سوسنا دياثوباتسيلوبيث؛ ما مكنه من فرض خطه الأيديولوجي على المؤتمر التاسع والثلاثين بإقرار خارطة طريق دافع عنها الزعيم المنتخب جنحت نحو اليسار وسلمت بها ،على مضض، التيارات المعارضة احتراما لمبدأ الديمقراطية الداخلية وحرصا من التيارات على وحدة الحزب من مصيرسيئ على غرار ما وقع للاشتراكيين في فرنسا .
وتوجد دلائل على أن القيادة الجديدة تسعى إلى إعلان ما يشبه القطيعة مع التركة السياسية للمرحلة السابقة وخاصة خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت إقالة” سانشيث” في أكتوبر الماضي.
وفي هذا السياق، بدأت خيوط الغزل تنسج من جديد مع حزب “بوديموس” فزعيمه “بابلو إيغليسياس” كان أول مهنئ بعودة “سانشيث” مقترحا عليه إحياء الحلف التقدمي، للإطاحة بالحكومة الحالية التي وقف “سانشيث” ضد التصويت لصالحها، بكل ما أوتي من إصرار وعنادما كلفه فقدان منصب الأمانة العامة.
وربما يهيئ حاليا للانتقام من، ماريانوراخوي، ولشعاره المدوي ( لا تعني لا) على الرغم من مجموع أصوات الحزبين اللذين يتنازعان تمثيل اليسار الإسباني لا تكفي لإسقاط حكومة الحزب الشعبي عبر تقديم ملتمس رقابة ما لم يساند الملتمس حزب “ثيودادانوس” الذي يرفضه “إيغليسياس”، بينما يحاول سانشيث، استمالته وضمه لأي تكتل ضد حكومة الحزب الشعبي .
وفي هذا السياق، يلاحظ أن “راخوي” يتحرك من جهته من أجل إبعاد الاشتراكيين عن التورط في مغامرات”بوديموس”، لذلك وجه نداء هادئا من بروكسيل لغريمه “سانشيث” يدعوه للقاء معه في أي وقت ومكان يفضله الزعيم الاشتراكي، بمجرد تلقيه مكالمة هاتفية منه، ليبحثا مسبقا الملفات الكبيرة التي تهم مصلحة الدولة الإسبانية. كما أن “راخوي” يريد استفسار محاوره عن موقف الاشتراكيين من مستجدات سياسية داخلية في طليعتها التحدي الانفصالي في إقليم كاتالونيا .
وسيطلب راخوي من،سانشيث، إن اجتمعا، تفسيره للتوصية التي أقرها الاشتراكيون في مؤتمرهم الأخير، بخصوص ما أسموه” التعدد القومي” وهل يتعارض ذلك مع الدستور الذي ينصصراحة على دولة إسبانية واحدة؟
صحيح أن الاشتراكيين يعارضون إجراء استفتاء من جانب واحد لتقرير مصير الإقليم، أعلنت الحكومة أنها لن تسمح به، لكنهم قد يسقطون في غواية “اليسار الفوضوي”.
وكان الاشتراكيون اقترحوا في وقت سابق تعديل نظام الجهوية الحالية باعتماد شكل من أشكال الفيدرالية المتطورة،تضمن استمرار وحدة البلاد وتمنح الجهات صلاحيات واسعة لتدبير شأنها المحلي لكنهم سكتوا عنه أخيرا.
وعلى العموم، يختلف الاشتراكيون مع “بوديموس “بصدد رؤيتهم للوحدة الترابية والمستقبل الجغرافي لإسبانيا.
وسيحاول راخويإقناع الزعيم الاشتراكي، عادة النظر في موقفه المفاجئ من الاتفاق التجاري المبرم بعد سنوات من التفاوض، بين الاتحاد الأوروبي وكندا، إذ أعلن سانشيث، معارضته له وتراجعه عن تأييد نواب حزبه في برلمان” ستراسبورغ ” في شهر فبراير الماضي حيث صوتت لصالحه أغلبية الأحزاب الاشتراكية الأوروبية باستثناء الخضر الذين تموقعوا مع اليمين المتطرف.
ورغم تأكيد سانشيث، أن نواب حزبه سيتغيبون عن جلسة مصادقة البرلمانالوطني على الاتفاق، ما يعني تأييدا مضمونا له؛ فإن رئيس الحكومة الإسبانية حريص على تأييد الحزب الاشتراكي، حتى لا ينظر إلى بلاده على أنها غير موحدة بشأن اتفاقتاريخي، يؤكد كثيرون أنه في صالح إسبانيا وغيرها؛وهذا ما حاول المسؤول الأوروبي الاشتراكي “ بييرموسكوفتسي” إقناع سانشيث، به خلال اجتماع جرى أخيرا بينهما.
إلى ذلك لن يتخلى حزب “بوديموس” عن جر الاشتراكيين لصفهم وإغراء البعض منهم بإمكان الوصول إلى السلطة وتشكيل حكومة تقدمية.، علما أنه احتمال بعيد التحقيق عبر اللجوء إلى آلية ملتمس الرقابة ما دام النصاب القانوني الكافي في البرلمان غير موجود.
يبقى حل آخر للحزبين يتمثل في إرغام راخوي،على تقديم موعد الانتخابات التشريعية التي لن تجلب النصرالمحقق للحزبيناليساريين،على اعتبار أن التنسيق متعذر بين الإثنين بينما تلتف الصفوف حولزعامة راخوي، كما أن حصيلة حكومته تؤهل حزبه لتصدر النتائج.
إن استعادة الاشتراكيين لثقة منصوتوا لصالحهم في الماضي القريب، ممكنة إن ابتعدوا مسافة معقولة عن ملعب “بوديموس” دون التخلي المطلق عن القناعات الاشتراكية المعتدلة وأفكار وسط اليسار فهي التي جعلت من تنظيمهم ” حزب الدولة”وصانع التغيير المسنود باردة القطاع العريض من الشعب الإسباني.
“بيدروسانسيث ” ابدى في المدة الأخيرة إشارات براغماتية وواقعية، لكن العجلات اليسارية التي تستند عليها العربة الاشتراكية، قد تطوح بها في الفراغ إن لم تكن الهاوية لم تخفف السرعة في منعرجات الطريق .