الرئيسية / سياسة / “ماريانو راخوي” أبعد سفينة الحزب الشعبي عن العواصف دون تجديد نظري في فكر القيادة
الحزب الشعبي الإسباني

“ماريانو راخوي” أبعد سفينة الحزب الشعبي عن العواصف دون تجديد نظري في فكر القيادة

أنهى الحزب الشعبي الإسباني الحاكم وحركة بوديموس اليسارية، أشغال مؤتمريهما العامين بانتخاب الأجهزة القيادية ومصادقة المؤتمرين على الوثائق السياسية التي سيحرص الحزبان كل من موقعه في الحكومة أو المعارضة، على تنفيذها في غضون السنوات المقبلة التي تفصلهما عن المؤتمر المقبل.

ومرت الأمور كما كان مخططا لها تقريبا بالنسب للحزب الشعبي الذي أعاد انتخاب رئيسه السابق، ماريانو راخوي، بنسبة تصويت مرتفعة   قاربت الإجماع لا تختلف عن الثقة العالية التي حظي بها  في المؤتمرات السابقة منذ المؤتمر الذي انتخب فيها رئيسا لأول مرة عام 2004، خلفا لخوصي ماريا أثنار.

ويعود سبب النجاح المبهر إلى كون المرشح، راخوي، خاض سباق الرئاسة بمفرده، من دون منافس حقيقي او اقتراضي، حتى ولو كان مجرد أرنب سباق؛ على اعتبار أنه رتب سائر الأمور التنظيمية قبل انعقاد مؤتمر الحزب منذ مدة، واستمرار راخوي على رأس قيادة حزبه، كان مضمونا ومحسوما بدون منازع، منذ نجاحه في تشكيل حكومة أقلية العام الماضي، بعد فترة انسداد سياسي عانت منها إسبانيا لمدة قاربت السنة.

حينذاك التفت صفوف الحزب الشعبي حول قيادته، معتبرين أن تدبيره للأزمة الحكومية وتداعياتها غير المسبوقة كان ناجحا، بل كسب “راخوي” رهان أعادة الانتخابات التشريعية في يونيو الماضي، بأن حقق مكاسب جديدة بينما أخفق منافساه الحزب الاشتراكي العمالي وحركة بوديموس في نيل ما تمنياه.

واستطاع راخوي، بعد تشكيل الحكومة الحالية التفرغ لمعالجة الملفات الداخلية في الحزب ووضع العلامات على الأسماء التي ستعمل إلى جانبه أو التي سيتحرر منها ،دون إن يلقى معارضة تذكر، إذ على الرغم من تكتمه وقلة كلامه وتعوده على عدم الإفصاح عن نواياه السياسية، فإن ما هدف إليه كان واضحا بالنسبة لمنتسبي حزبه وخاصة المؤثرين في القرارات المتخذة، وهكذا لم يفاجوا بفرض أسماء مجهولة عليهم أو لهم عليها مآخذ، باستثناء امر تنظيمي أخذ من المؤتمرين وقتا في النقاش. يتعلق الموضوع بمسؤولية الأمين العام للحزب: هل تستمر فيها وزيرة الدفاع “ماريا كوسبيدال” كما يريد الرئيس، أم يقترح لها مسئول جديد، بالنظر إلى أنها لا يمكن عمليا الجمع بين وزارة الدفاع وأمانة الحزب؛ فكان ضروريا استصدرا قرار من المؤتمرين الذين وافقوا بنسبة قليلة على جمع السيدة “كوسبيدال” بين المهمتين. وكحل وسط اقترح الرئيس مساعدا لها (فرنانديث مايو) عهد إليه بالتنسيق الحزبي والعمليات الانتخابية، سيتواجد بمقر الحزب على مدى أيام الأسبوع بينما يصعب على الوزيرة الالتزام بمباشرة الشؤون اليومية للتنظيم ومتابعتها. وبدا أن هذا الحل التوفيقي أرضى جزءا من المعارضين للجمع بين مسؤوليتين كبيرتين في الحكومة والحزب، في حين قالت الوزيرة إنها ليست الوحيدة

وفضلا عن هذا الإنجاز، استطاع راخوي تنقية صفوف حزبه من المرتشين الكبار الذين تورطوا في ملفات فساد سياسي ومالي، علما أن المهمة ليست سهلة بالنسبة لحزب تعود على نعيم السلطة ومغرياتها على مدى ثلاث حكومات، قبل الأخيرة وهي الرابعة، والتي قد أو لا تكمل ولايتها القانونية المحددة في أربع سنوات.

وفي هذا الصدد سجل المتابعون لأشغال مؤتمر الحزب الشعبي وما سبقها، أن راخوي تخلص من الأسماء المسيئة لصورة وسمعة التنظيم  بما في فيها الأسماء الكبيرة التي حافظت على ولائها للرئيس السابق “خوصي ماريا اثنار” الذي أشاد به الرئيس المنتخب في خطابه ووصف تراثه السياسي بالمفيد للحزب، في حين تخلص من مناصريه بسلاسة مثلما رفع للقيادة أسماء جديدة، مكافأة لها على ولائها له أو جدارتها بالترقي في سام التنظيم ،بينهم شباب.

وبدا من خلال خطاب الرئيس راخوي، وتصريحاته على هامش المؤتمر، أنه اعتمد اسلوب الاعتدال حتى حيال خصومه التقليديين، كما حدد الأهداف الكبرى لحكومته والمتمثلة أساسا في مواصلة الإصلاح الاقتصادي الذي أعطى فعلا بعض نتائجه الإيجابية من حيث ارتفاع معدل النمو إلى أكثر من ثلاثة وتراجع معدل البطالة، بعد السنوات الخمس العجاف التي عرفها الاقتصاد الإسباني.

في نفس السياق، أبدى  راخوي انفتاحا واستعدادا للحوار مع المكونات الحزبية الأخرى  ولو اقتضى ذلك  تقديم تنازلات معقولة من جانبه،  كلما كانت ضرورية لضمان الاستقرار الحكومي واستمرار عافية الاقتصاد ووحدة البلاد  ؛وهي إشارة إلى الحزبين اللذين يسرا له تشكيل حكومة الأقلية الحالية  أي الاشتراكي العمالي بقيادته المؤقتة الحالية  وكذا حزب “مواطنون”.

وجدد راخوي معارضته القوية لخروج إقليم” كاتالونيا” عن السيادة الوطنية، رافضا الإذعان لمطالب الانفصاليين الذين يدعون إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير، هم واثقون ان سكان الإقليم سينساقون في تصويتهم مع إغراء تأسيس الجمهورية.

وكبادرة انفتاح ومرونة حيال القوى الحزبية في الإقليم، عبر، راخوي، عن استعداده للاستماع إلى كافة المطالب، في إطار وحدة الأراضي الإسبانية، معتقدا أن “كاتالونيا” ليس بإمكانها العيش بمفردها خاصة وأن الاتحاد الأوروبي لن يعترف بها ويقبلها عضوا فيه، وبالتالي فلا مفر لها من الاعتماد على إسبانيا.

ومن الواضح أن راخوي، ضمن لنفسه  بعد المؤتمر ولاية  هادئة داخل  حزبه، فلا يوجد ضمن أجهزته المنتخبة، من سيتطاول عليه والطعن في قيادته، غير أن منتقديه من الخارج يتساءلون عن مصير التنظيم على المدى المتوسط، إذ يبدو أن المهمة العاجلة بالنسبة للحزب ورئيسه منحصرة  في إكمال الولاية الحكومية ؛وأن يكون ،في حالة بروز أزمة حكومية، مستعدا لخوض الانتخابات التشريعية، سواء  في موعدها أو سابقة لأوانها ؛ ما يعني ان هم وهاجس  المؤتمر الثامن عشر الذي انتهى أمس الأحد، مركز على تهييئ جهاز انتخابي كبير,وليس حزبا جديدا  بتوجهات مغايرة قادرة على الإجابة على الأسئلة الحيوية  التي تطرحها فئات عريضة في  المجتمع الإسباني، انساقت وراء  سراب الشعبوية اليسارية التي تستقطب مزيدا  من  الناقمين على الأحزاب التقليدية.

لم يناقش الحزب الشعبي قبل المؤتمر وأثناءه، أوراق عمل فكرية عميقة أو مقترحات تنظيمية تستشرف المستقبل وتستبق الأزمات، في عالم زاخر بالتحولات على المستوى القاري والدولي، يتميز على الصعيد الداخلي بانتهاء الثنائية الحزبية وظهور قوى متعطشة للسلطة بأي ثمن وأية وسيلة بما فيها التطرف والتهديد بالنزول إلى الشوارع، ما تؤكده نتيجة المؤتمر العام لحزب بوديموس، حيث انتصر الجناح اليساري الشعبوي بزعامة بابلو إيغليسياس، ما يعني أنه سيخوض نزالا جديدا مع  الحزب الشعبي الحاكم. وهذا ما يستحق تقريرا مستقلا.