خلافا لأغلب القادة التاريخيين للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني،من انسحبوا من الحياة السياسية،كليا أو جزئيا؛ينفرد الأمين العام الأسبق فيليبي غونثالث، في الاحتفاظ بحقه المطلق في النقد والجهر بآراء غالبا ما تحرج بل تزعج رفاقه في الحزب الاشتراكي، بيت نضاله التاريخي؛ على الرغم من تشديده على أن ما يصدر عنه من مواقف تلزمه وحده وليست بتكليف من أحد سواه ، كما لا يسعى من ورائها إلى هدف سياسي لا يسمح بها عمره.
واعتاد الزعيم الذي حكم إسبانيا على مدى ثلاث ولايات وبأغلبيات برلمانية مريحة، الإدلاء بآراء مماثلةمعلنة في معرض ندوات وتظاهرات سياسية،أو عبر وسائل الإعلام التي تلوذ إليه كلما أحست حراكا في العائلة الاشتراكية؛ والتي استجاب لها صباح يومه الخميس ،ممثلة في إذاعة “أوندا ثيرو” التي استضافته في دردشة مطولة.
وخلال أطوار اللقاء الإذاعي، وجه، غونثالث، نقدا لاذعا لقيادة الحزب الاشتراكي العمالي،بزعامة رئيس الوزراء الحالي، بيدرو سانشيث؛ على خلفية تحالفه أو قربه من أحزاب اليسار الراديكالي التي يعتبرها غونثالث، مناهضة في العمق لوحدة الدولة الإسبانية الوطنية، بل ترمي إلى نسفها وتقويض أركانها،بمختلف الوسائل، من قبيل الدعوة إلى أقامة نظام كونفدرالي أو الانفصال صراحة عن المملكة الإسبانية وإعلان جمهوريات مستقلة.
وأورد الزعيم الاشتراكي ثلاثة أحزاب تتشابه فيما بينها بخصوص تفكيك مكونانت الدولة الإسبانية الوطنية؛ والأحزاب اليسارية هي: بوديموس شريك الاشتراكيين في حكومة إسبانيا حاليا، واليسار الجمهوري الكاتلاني وحزب “بيلدو” الباسكي ؛والثلاثة صوتوا في البرلمان لصالح الميزانية العامة،برسم السنة المقبلة،بعد رفض الحزب الشعبي وثيودادانوس، التصوبت لصالحها باعتبارهما معارضين من جهتهما لأي تنسيق مع اليسار الانفصالي.
وأعرب،غونثالثن أكثر من مرة، مدة استغراق حواره الإذاعي الذي بثت ملخصا ضافيا له “وكالة أوروبا بريس” أعرب عن يقينه أن التنظيمات اليسارية المذكورة،يجمعها هدف واحد ،وإن اختلفت أساليب عملها قليلا؛ داعيا بالمناسبة ،ولدرء الخطر الذي تمثله،إلى التحالف مع العائلات السياسية ذات التوجه الليبرالي معلنا (غونثالث) أنه لا يعارض تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الشعبي وثيوداددانوس؛ مبرزا أن ما يهم الإسبان في الظرف الحالي، وهم يواجهون أزمة عميقة غير مسبوقة، هو حسن التصرف في الاعتمادات المالية التي رصدها لهم الاتحاد الأوروبي، للتغلب على تداعيات الجائحة،مضيفا أن التعددية السياسية تعني في نظره الاعتراف بالحقائق القائمة وليس نفيها أو القفز عليها.
وفيما بدا نقدا ذا نبرة عالية ومباشرا للقيادة الاشتراكية الحالية؛قال غونثالث بدون مواربة إنها تشعره باليتم داخل الحزب؛منذ أن ترك السلطة قبل 24 عاما؛موضحا انه لا يعبر عن وجهة نظر أحد أو تيار معين من خلال معارضته لأداء قيادة الحزب الاشتراكي، التي وصف قراراتها بالفوقية، وغير النابعة من القاعدة العريضة،حيث ينبغي أن يسود نقاش ديموقراطي داخلها،مشيررا إلى أن آفة الديمقراطية الفوقية أصبحت سائدة بين سائر التنظيمات الحزبية الأخرى ومشددا في الوقت ذاته علىان الديمقراطية الحقة تعني حرية الانتقاد.
ونفى غونثالث،أي تنسيق مسبق مع رفاقه القدامى في النضال السياسي الذين فضلوا الاعتكاف،مؤكدا انه يعبر عن أرائه الشخصية المنتقدة والتي لن يتوقف عن الإدلاء بها.
تجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يحاسب فيها غونثالث القيادة الاشتراكية،فقد عارض، بيدرو سانشيث، منذ انتخابه في المرة الأولى، وحذره من التحالف مع بوديموس،ذي المرجعية الفوضوبة المناهضة للنظام (انتي سيستيم) ودعا دائما إلى تحالف تمليه الضرورة التاريخية مع أحزاب اليمين المعتدل في إطار برنامج مرحلي توافقي، على غرار ما تفعله باقي الأحزاب الأوروبية حين يجبرها الحرص على الاستقرار السياسي، على مد أيديها نحو الأحزاب المعتدلة لوقف اليمين المتطرف في إطار جبهة ديموقراطية موسعة.