اتخذت الحكومة الإسبانية كافة الإجراءات والاستعدادات لمواجهة تبعات الأحكام التي أصدرتها المحكمة العليا، صباح الاثنين، مستبعدة على لسان رئيسها الاشتراكي، بيدرو سانشيث، استفادة المحكوم عليهم بمدد ثقيلة، من إجراءات عفو محتمل، مثلما طالبت بذلك القوى السياسية المناصرة لانفصال كاتالونيا والذي سيؤكده (طلب العفو) من دون شك رئيس حكومة الإقليم في حالة ما إذا وافق رئيس الحكومة الوطنية على الاجتماع به، على اعتبار أن الأخير وجه مجددا، أثناء مثوله القصير أمام وسائل الإعلام، بعد سماع الأحكام، وجه النقد الشديد لدعاة الانفصال وجوهر الأطروحة التي ينادي بها
وفي نفس هذا السياق الاستباقي، انعقد صباح الاثنين بمقر رئاسة الحكومة في مدريد اجتماع مصغر ضم الوزراء والمستشارين المعنيين من لهم صلة مباشرة بملف النزاع في كاتالونيا، استعرض خلاله وزير الداخلية تفاصيل الأحداث الجارية بعد صدور الإحكام القضائية.
وتبين من خلال عرض الوزير الإسباني،أن ردود الفعل التي عبر عنها مناصرو قادة الانفصال، لا تستدعي حتى الآن اتخاذ إجراءات استثنائية،لكن السلطات ستظل يقظة ومستعدة لتفعيل السيناريو الثاني.
ولوحظ أن اجتماع قصر “لا منكلوا” حضرته وزيرة الدفاع الإسباني(مرغريتا روبليس) ما يشير إلى احتمال وقوع تطورات تستدعي تدخل القوات المسلحة أو الاستعانة بها.
وغاب عن الاجتماع وزير الخارجية (جوزيب بوريل) الذي بدأ مباشرة مهامه في بروكسيل، مسؤولا عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خلفا للإيطالية (فيديريكا موغيريني) لكن الوزارة في مدريد، استدعت السفراء المعتمدين لدى إسبانيا وأخبرتهم بالمعطيات الضرورية التي تطلبها البعثات الدبلوماسية الأجنبية في قضايا وأحداث مماثلة.
ورحبت المعارضة الإسبانية ممثلة في الحزبين الشعبي وثيودادانوس، وكذا اليمين المتطرف “فوكس” بالإحكام الصادرة في حق من يسمونهم بالانفصاليين المتطرفين وأعداء وحدة البلاد، باستثناء حزب “بوديموس” المتشبث بموقفه الغامض بتأييد إجراء استفتاء متفق عليه بين الحكومة والقوى السياسية الداعية إلى استقلال الإقليم عن المملكة الإسبانية.
ويعتقد رئيس الحكومة الاشتراكية المكلفة تسيير الأعمال، في انتظار إجراء الانتخابات التشريعية الشهر المقبل، أن أطروحة الانفصال قد انهارت لكن المسؤولين الحاليين يتجنبون تكرار الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة السابقة (ماريانو راخوي) حين تركت الساحة الإعلامية في الخارج فارغة،فاستغلت القوى الانفصالية غياب الموقف الرسمي ما سهل عليها ترويج روايتها المنحازة عن الأزمة الكبيرة التي وقعت عام 2017 حين أعلن برلمان الإقليم الاستقلال وقيام الجمهورية، ما فرض على الحكومة المركزية اللجوء إلى تفعيل الفصل 155 من الدستور الإسباني وتطبيق مقتضياته الرادعة للانفصال المتمثلة في إلغاء الحكم الذاتي واستعادة الحكومة المركزية سلطة التدبير المباشر للشأن المحلي.
ولا يخفي الملاحظون تسجيل دقة اللحظة السياسية التي تجتازها إسبانيا والحكومة الحالية وهي تستعد لخوض معركة الانتخابات التشريعية المعادة، خاصة وأن المعارضة اليمينية واليسار المتطرف، يسعون إلى إحراج رئيس الوزراء والمزايدة عليه ودفعه إلى تصعيد المواقف ثم الانقلاب عليه بالنقد والتجريح؛ لذلك سيجتمع، سانشيث،بزعماء نفس الأحزاب بمن فيهم، بابلو إيغليسياس، المتذبذب في مواقفه.
وعلى صعيد آخر، تبنى”نادي برشلونة” الكروي المشهور، موقفا رياضيا متوازنا إلى حد ما، عبر فيه عن تضامنه مع المحكوم عليهم، منتقدا قساوة الأحكام والضرر الذي ستتركه في العائلات،لكن النادي وفروعه دعا إلى حل سياسي للمشكل عبر وسيلة الحوار بين الأطراف المختلفة فيما بينها وحق التقرير؛ معلنا في نفس الوقت إلغاء الأنشطة الرياضية التي كانت مبرمجة اليوم، تضامنا مع قادة الانفصال الرئيسيين الذين أنزل بهم القضاء عقوبات سجن تتراوح ما بين 13 و9 سنوات، إضافة إلى عقوبات اقل منها طالت فاعلين انفصاليين آخرين بتهمة إحداث القتنة اختلاس الأموال العمومية
ومن الصعب التكهن بتطورات النزاع، فأغلب المراقبين لا يخفون مخاوفهم خاصة وأن نزول الأحكام صادف أزمة حكومية واستعدادات الشروع في الحملة الانتخابية، حيث يلجا المتنافسون إلى المزايدة على بعضهم وقد أثبتت الأحزاب السياسية الإسبانية افتقادها للتفكير العقلاني في مواقفها، مضيعة على البلاد فرصة تشكيل حكومة مستقرة بقيادة الحزب الاشتراكي، كونه متصدر الانتخابات التشريعية في شهر ابريل الماضي.
ومن المفارقات ان يلتقي اليمين المحافظ مع اليسار الشعبوي في خندق معاداة التقليد الديمقراطي الذي يعطي حق الحكم للحزب الأول في الانتخابات التشريعية، في إطار توافق على برنامج حكومي لمواجهة التحديات الكبرى التي تتربص بإسبانيا، وضمنها الأزمة في كاتالونيا المشرعة على احتمالات خطيرة، ما يساهم في إضعاف البلاد وتراجع حضورها على الصعيد الدولي.