أثارت وسائل إعلام جزائرية، مؤخرا، إشكالية اعتبرتها مهددة لمستقبل الجزائر، وهي إشكالية “اختفاء الأدمغة العلمية والمهنية والفكرية والتربوية والإعلامية من الفضاء الجزائري”، معتبرة أنها قضية ذات أبعاد متشابكة وتتلخص في سياسات التحقير الذي يمارس في الجزائر ضد المثقفين والباحثين ومختلف المهنيين.
وقال إعلاميون في ذات المنابر، التي تعود إلى مؤسسات خاصة، إن القراءة، التي يقوم بها النظام الجزائري مع الإعلام المتحكم فيه من قبل هذا الأخير، تشكل طرحا أحادي البعد يتمثل في “رد رحيل الآلاف من الكفاءات الوطنية للخارج إلى بحث الكفاءات الجزائرية عن البحبوحة المالية بالدرجة الأولى”، فيما يعتبر العارفون بخبايا الواقع السياسي والاجتماعي بالبلاد أن “الوضع القائم هو الذي يفرض على هؤلاء البحث عن بلدان تحترم العلم والعلم والفكر والفن والتقنية”.
واعتبرت وسائل الإعلام المذكورة قضية التهجير المنهجي للأدمغة الوطنية هي أمر مقصود ومخطط له، ويتحمل مسؤولية نتائجه الوخيمة النظام الجزائري بشكل مباشر.
وتساءلت تلك المنابر عن سبب فتح موضوع هجرة الأدمغة الوطنية من قبل الإعلام المحسوب على النظام، بشكل “يهدد التنمية الوطنية ويعرّض الأمن الثقافي والعلمي والفكري في الجزائر للإجهاض”، وفي ما إذا كان ذلك هو نتيجة لتفاقم التناقضات والصراعات غير المعلنة داخل أجهزة النظام، “حيث نجد كل طرف منها يسعى إلى النيل من خصمه بواسطة لعب ورقة المهاجرين تمهيدا للانتخابات الرئاسية، أم أن ثمة جهات تابعة للسلطة تريد أن تحول الأنظار عن المظاهرات التي تفجرت في الجنوب الجزائري”.
وأشارت المعطيات الصحفية إلى أن هذه المنابر، التي تثير قضية هجرة الأدمغة، “لا يمكن أن تتحرك عفويا، خاصة وأن أغلب المنابر الإعلامية الجزائرية لا تملك الاستقلال المالي، بل تتلقى التمويل من النظام الجزائري، وجراء ذلك فهي لا تقدر على أن تتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لها دون أن تعرّض نفسها للعقاب، كما حصل مع عدة جرائد ومجلات صادرة بالعربية وباللغة الفرنسية، ومع فضائيات حاولت أن تنتقد النظام وأداء الحكومة أو أحزاب الموالاة التي تفرض نفسها في الساحة السياسية كواجهة للسلطة في البلاد”.
وتختم المصادر الإعلامية أن هناك مغالطة مقصودة يكرسها النظام الجزائري في خطاباته حول هجرة الأدمغة بشكل محدد، حيث وصل الأمر ببعض المسؤولين الجزائريين في مختلف أجهزة الدولة إلى تخوين هذه الشريحة من المثقفين، ولكن الحقائق أكدت أن هؤلاء لم يفروا من الواجب الوطني، بل تعرضوا إلى أبشع أشكال التحقير المادي والمعنوي من طرف المسؤولين، سواء على مستوى الإدارات المركزية أو على مستوى إدارات المؤسسات التي ينتمون إليها وظيفيا.