كما كان متوقعا، تصدر واجهات الإسبانية صباح اليوم الاثنين، خبر هزيمة الحزب الاشتراكي العمالي في الانتخابات التشريعية باقليمي غاليثيا وبلاد الباسك، بينما حافظ الحزب الشعبي في منطقة غاليثيا التي ينتسب إليها رئيس الحكومة الحالي، على الأغلبية في البرلمان المحلي بل حسن وضعه.
وفي إقليم الباسك، تصدر النتائج الحزب الوطني الباسكي وتراجع بمقعد واحد فقط عن الاستحقاقات السابقة حيث قاد الحكومة المحلية بتحالف مع الحزب الاشتراكي العمالي.
وتشير نتيجة الاستحقاقين بصورة واضحة إلى فشل اغلب الرهانات التي دافع عنها وتشبث بها زعيم الاشتراكيين، بيدرو سانشيث،من خلال اصراره على عرقلة تشكيل حكومة جديدة برئاسة زعيم الحزب الشعبي، ماريانو راخوي، بذريعة أن الناخبين الإسبان يطمحون إلى حكومة مشكلة من قوى التقدم أي اليسار بأطيافه، تنهي سلطة الحزب الشعبي الذي تلطخت سمعته السياسية بتورط بعض قيادييه في عدد من ملفات الفساد المالي واستغلال النفوذ.
وراهنت الأحزاب الفاعلة والمتنافسة في البرلمان الإسباني، على نتائج انتخابات اقليمي الباسك وغاليثيا؛ مؤملة أن تكون مؤشرا موجها نحو إنهاء الأزمة الحكومية القائمة منذ ما يقرب من عشرة أشهر. ولما كانت النتيجة مخيبة لآمال الاشتراكيين بل داعمة إلى حد ما للقوى المتحالفة مع، بوديموس، فإنه لم يعد أمام الزعامة الاشتراكية حل آخر سوى الإقرار بالهزيمة واستخلاص العبر منها بدل الاستمرار في العناد ومعاكسة الرياح يمينا ويسارا.وهذا ما لن يقبله الأمين العام المنكسر، بسهولة ودون تبعات مؤلمة.
وعلى العكس من ذلك، يبدو الزعيم الاشتراكي، مصرا على الاستمرار في نهجه الذي تعارضه اغلب قيادات الحزب في الأقاليم أو من يسمون بـ “البارونات”.
ويقضي البرنامج الذي أفصح عنه الأمين العام في اجتماع الجهاز التنفيذي للحزب المكون من 26 عضوا، غداة الإعلان عن النتائج السلبية، بدعوة المنتسبين إلى الحزب يوم 23 أكتوبر للتصويت المباشر على أمين عام جديد، يعرض على المؤتمر العام 39 الذي ينوي الأمين العام الدعوة إليه في غضون شهر ديسمبر، يسبقه اجتماع للمجلس الفدرالي يوم السبت المقبل.
ورأى محللون في قرار بيدرو سانشيث، هروبا إلى الأمام وعدم تسليم بهزائمه المدوية والمتتالية منذ أن آلت إليه قيادة الحزب في يوليو 2014 في ظروف استثنائية، فرضتها استقالة الأمين العام السابق، بيريث روبالكابا، الذي حقق رغم ذلك نتائج أفضل في آخر التشريعيات عام 2011 لكنه فضل فسح المجال لقيادة جديدة على غرار ما فعله جميع الأمناء العامين السابقين الذين أخفقوا في المعارك الانتخابية التي خاضوها.
ويحاول سانشيث، إرباك خصومه والطامحين إلى خلافته وفي المقدمة سوسانا دياث، رئيسة حكومة إقليم الأندلس التي تعارض بقوة اختيار أمين عام جديد قبل تشكيل حكومة وطنية، ودعت صراحة إلى أعادة النظر في بنية الحزب وأساليب اشتغاله حتى يستعيد قوته وطراوته على حد تعبيرها صباح يومه الإثنين.
واستند رفض سانشيث، لقيام حكومة بزعامة الحزب الشعبي، من جهة، على تفويض المجلس الفيدرالي للحزب الذي حدد في اجتماع سابق( فبراير) شروط الانفراج الحكومي؛ ومن جهة ثانية على ممانعة القواعد الحزبية تزكية حكومة يمينية والمشاركة فيها، تعبيرا عن الخلاف التاريخي المستحكم بين الاشتراكيين والمحافظين؛ لكن التبرير فقد حجيته بعد تراجع الاشتراكيين وظهور قوى سياسية أخرى مزاحمة لهم في الساحة، اقتاتت من أصوات “الاشتراكي” وخصوصا حركة “بوديموس” وحزب “مواطنون” الليبرالي.
انتزع التنظيمان الجديدان نسبة هامة من أصوات يمين الاشتراكيين ويسارهم، وتأكد هذا المنحى التراجعي في كافة الاستحقاقات الأخيرة، إن على الصعيد الوطني أو الإقليمي؛ ضاعفته الوضعية الداخلية والصراعات بين صفوف الاشتراكيين، فبدا حزبهم، في أعين الرأي العام، فاقدا للبوصلة، ما يفرض عليه التفكير في إعادة البناء أو الاستسلام للعواصف المقبلة.
ويقول متعاطفون مع الاشتراكيين، من يقدرون دور الحزب التاريخي في النهوض بإسبانيا الجديدة ووضعها فوق سكة الديمقراطية والتحديث : إن جميع الفرص أعطيت للأمين العام الحالي، دون أن يحقق ما يطمح إليه المناضلون، وبالتالي بات عليه أن ينسحب بهدوء كي لا يتسبب في نزيف داخلي إضافي للحزب، يأتي على ما بقي منه.
وعلى ضوء مستجد نتائج الباسك وغاليثيا، باتت إسبانيا متجهة في الغالب نحو إجراء انتخابات تشريعية ثالثة في ديسمبر المقبل، إن استمر الحزب الاشتراكي في رفضه التغيب عن جلسة التصويت في البرلمان للمصادقة على حكومة راخوي؛ علما أن فرض هذا الحل على سانشيث، من طرف الأجهزة القيادية، يبدو عسيرا، وستكون كلفته السياسية مرتفعة إن على الشخص أو على التنظيم، لأن ذلك يعني نهاية ولاية سانشيث.
وحسبما رشح عن اجتماع القيادة الاشتراكية، فإن الأمين العام لم يتخل عن الأمل في تشكيل حكومة بتحالف مع بوديموس وثيودادانوسن، غير مكترث بالضغوطات والاشتراطات التي يلوح بها بوديموس، على إثر ما جرى يوم الأحد، في غاليثيا وبلاد الباسك، فضلا عن الموقف الرافض لثيودادانوس، الانضمام إلى حكومة تضم بوديموس والأحزاب الانفصالية. وسيزداد رفض، البرت ريفيرا، وابتعاده عن الاشتراكيين عقب النتائج السلبية في انتخابات نهاية الأسبوع الماضي.