الرئيسية / ثقافة ومعرفة / حكاية قصبة تتربع على مرتفع بالمهدية
حكاية قصبة تتربع على مرتفع بالمهدية

حكاية قصبة تتربع على مرتفع بالمهدية

سور دفاعي منيع وأبواب رئيسية “الباب الجديد” و”باب العين”، ودار المخزن ودار القايد، هي بعض مكونات قصبة المهدية الواقعة على الضفة اليسرى لمصب نهر سبو، والممتدة على مسافة 40 كيلومترا، وعبر تموقعها الاستراتيجي بمنطقة الغرب، يتراءى للمار من أمام هذه القلعة أنها شكلت في حقبة ماضية حصنا منيعا، مازالت تجلياته واضحة في مواد بنائها الصلبة وامتدادها الشاسع بالمنطقة، ولأنها توجد بجوار المحمية الطبيعية “سيدي بوغابة” فهي في هذه الآونة تمثل مكسبا تاريخيا وأثريا وطبيعيا، يٍستحسن توظيفها في مجال السياحة.
ولأن قصبة المهدية تحتفظ بمعظم مرافقها، فإن عبد الرحيم محب، باحث في الآثار، أوضح لـ”مشاهد 24″، أن هذه المعلمة تحتاج إلى رد الاعتبار لتوظيفها في أنشطة سياحية وثقافية واجتماعية، إذ أنه رغم الترميمات والتعديلات التي أجريت على أجزاء مهمة فيها، فهي تبقى محدودة ولا تفي بالغرض، بالمقارنة مع شساعتها وحجم الأضرار التي لحقت ببنيانها.
فقصبة المهدية، توجد على بعد 8 كيلومترات غرب القنيطرة، و34 كيلومترا شمال الرباط، وفي قربها من المحيط الأطلسي وإشرافها على نهر سبو، يجد الباحثون في الآثار أن الانكباب على صيانتها والحفاظ عليها من التلاشي والإندثار، حلا ملائما لتنمية منطقة الغرب وجلب السياح إليها، لسبر أغوار هذه القصبة التي تكتسحها اليوم نباتات وأعشاب تطوق محاولات الباحثين في التحريات الأثرية.
ولأن الزائر قد لا يتبين بعض الخصائص المعمارية للقصبة بمجرد المعانية عن قرب، فإن عبد الرحيم محب، ذكر لـ”مشاهد 24″ أن بين ثنايا هذه “القصبة” تاريخا قديما، بدءا من الفترة الماقبل إسلامية، وإن كانت المعلومات عنها غير وافية، فمحب يقول إن بعض المؤرخين يعتقدون بأن المركز الفنيقي الحامل لاسم”تيمياتريون” قد شيد في الموقع نفسه، خلال القرن الخامس ق.م. وقد استبدل اسم “تيمياتريون” أثناء فترة الاحتلال الروماني باسم ” سوبور”.
وحوالي منتصف القرن 12م، أشار الجغرافي المغربي الإدريسي إلى وجود مدينة عند مصب وادي سبو يطلق عليها اسم “المعمورة”، ويرجح المؤرخ الزياني، تاريخ تأسيس مدينة المهدية إلى فترة حكم أمراء بني يفرن لأجزاء مهمة من المنطقة خلال القرن العاشر الميلادي.
واستنادا إلى حديث محب مع “مشاهد 24” فإن الحسن الوزان ذكر في كتابه “وصف إفريقيا” مدينة صغيرة تسمى المعمورة شيدها الموحدون عند مصب نهر سبو، توفرت هذه المدينة خلال عهد عبد المومن بن علي الموحدي- القرن 12م، على دار لصناعة السفن.
من جهة أخرى، عرفت المدينة، خلال العصر الموحدي، ازدهارا تجاريا، غير أنها عاشت مرحلة من التدهور خلال العهد المريني وبشكل خاص بعد الحرب الأهلية التي وقعت في عهد السلطان أبي سعيد عثمان.
في سنة 1515م، استولى البرتغاليون على المعمورة، وأسسوا بها حصنا أطلقوا عليه اسم “San Jao da Mamora”، غير أن احتلالهم لها لم يدم طويلا، إذ تمكن المغاربة من تحريرها، أما في سنة 1614م، استولى الإسبان على الموقع وأطلقوا عليه اسم “san Miguel de Ultramar”.
وفي عهد السلطان العلوي المولى إسماعيل، جرى تحرير المدينة سنة 1681م، وأطلق عليها اسم “المهدية”.
ولأن بعض المعطيات لا تحتمل التغيير، فإن “مشاهد 24” حرصت على إعادة إدراج بعض المعلومات عن مرافق القصبة، نظرا إلى بعض الدراسات توثقها بالشكل الذي خلص إليه الباحثون في هذا المجال، ومن هنا فإن للقصبة سور يشكل الجزء الدفاعي الخارجي لها، مع حفر خنادق محاذية لواجهته الخارجية، كما هناك أبواب، بابين رئيسيين للقصبة، أحدهما متوسط وصغير الحجم، يطلق عليه اسم “باب العين”، يرشد تشييده في فترة الاحتلال الإسباني، في حين أن الباب الثاني يسمى “الباب الجديد”، وشيد أواخر القرن 17 ميلادي..
كما هناك برجين للقصبة يقع أكبرهما عند الزاوية الشمالية- الغربية، ومن المحتمل أن يكون شيد من طرف الإسبان، قبل أن يدخل عليه المغاربة، بعد تحرير الموقع، بعض التعديلات والتحسينات، أما “دار المخزن”، أو “دار الحاكم”، فجرى تأسيسها في عهد السلطان المولى إسماعيل، لجعلها مقرا لقائد جيش الموقع علي الريفي، إلى جانب مخازن للمؤن والأسلحة وبجانبها يوجد رياض وتوجد دار القايد وهو عبارة عن مبنى مخصص لإقامة القايد، ويشتمل على غرف ومخازن وساحات صغيرة، ثم المدرسة والمسجد والحمام، والفندق، بالإضافة إلى برج دائري مشرف على مصب نهر سبو، حسب ما هو موثق عن القصبة.
يأمل عبد الرحيم محب، الباحث في الآثار، إلى جانب مجموعة من باحثين آخرين، أن تتجند الجهات المعنية لإصلاح “قصبة المهدية” على نحو شامل حتى تكون مزارا للمغاربة والأجانب، ليستطيعوا عبرها، السفر في ربوع تاريخها العريق من خلال الاطلاع على خصائصها ومرافقها، المعززة بلوحات ترصد معلومات عنها ودورها في المعلمة آنذاك.