أخيرا، وبعد كثير من التشويق والترقب، تصاعد الدخان الأبيض من القاعة التي تحتضن قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، معلنا استرجاع المغرب لمقعده داخل الخيمة الأفريقية. ولأن خصوم الوحدة الترابية للمغرب لم يحسنوا قراءة خريطة المتغيرات السياسية التي حصلت، بعد أن تجاهلوا طويلا حقائق التاريخ والجغرافيا، فإنهم اختاروا “العناد” حتى النهاية، لذلك أتت صدمتهم كبيرة وهزيمتهم ماحقة. لقد كان الأجدى، أن يطبقوا نصوص الميثاق التأسيسي بخصوص العضوية، وأن يوعزوا لممثلتهم في المفوضية دلاميني زوما بإعلان عودة المغرب مسطريا، بهدوء وبشكل سلس انحناء للعاصفة، بعد أن توصلت برسائل الموافقة من الدول الثمانية والعشرين، وبالتالي تجنيبهم الإحساس بمرارة الهزيمة التي شهدتها القمة اليوم، بدفع الأمور إلى التصويت ألذي أكد دعم 39 دولة لعودة المغرب وامتناع بعض الدول عن التصويت، مما أظهر الحجم الحقيقي لخصوم المغرب المعترضين على عودته، بسبب إصرارهم على الاستمرار في “ملهاة” الاجتهادات القانونية، وهو ما دفع حكماء أفريقيا إلى إنهاء هذا العبث، واحترام إرادة أغلبية دول القارة، وإعلان عودة المغرب رسميا للاتحاد مؤزرا بهذا التأييد الكاسح، تاركا الأقلية عارية أمام اللحظة التاريخية الحاسمة.
وهنا، يحق للمغاربة، وبعد أن يهنئوا أنفسهم بالانتصار في هذه المعركة الدبلوماسية، أن يقدموا لملكهم محمد السادس تهنئة شخصية، على قيادته الفعالة والناجعة لإدارة معركة استرجاع المغرب لمقعده في الاتحاد الإفريقي، بشجاعة وتصميم يحسبان له، كيف لا وقد قطع آلاف الأميال وهو يتنقل من هذا البلد الأفريقي إلى ذاك، ليس فقط من أجل كسب موافقات مضمونة، ولكن من أجل تكريس صورة المغرب كفاعل قاري، يؤمن بالشراكة جنوب- جنوب، ويضع الخبرة التنموية المغربية في خدمة مصالح مواطني القارة برمتها. لذلك، يمكن القول بثقة، توازيها ثقة العاهل المغربي بعدالة قضيته الوطنية، عبر حضوره شخصيا للقمة الحالية، أن هذا الانتصار الذي شاركت فيه أطراف عدة بطبيعة الحال، هو إنتصار شخصي للملك محمد السادس، وعليها وجبت تهنئته بشكل شخصي، وان ينسب له الفضل الذي هو أهله.
إن عودة المغرب المظفرة، وما شهدته القمة اليوم من مناورات عديدة مخالفة للمنطق والتقدير السليم لحقائق الأمور من قبل مناوئي وحدتنا الترابية، وما رافق ذلك من اختيار “صديق المغرب” الرئيس الغيني ألفا كوندي لرئاسة الدورة الحالية للاتحاد، وكذا فشل الخصوم في حشد التأييد الكافي لممثلتهم وزيرة الخارجية الكينية لرئاسة مفوضية الاتحاد للسنوات المقبلة، واستبدالها بوزير خارجية تشاد موسى فقيه محمد، كلها أمور يمكن اعتبارها ثمرة مبكرة للعودة الميمونة للمغرب إلى أحضان أسرته الأفريقية، وتزيد التفاؤل بقدرته على الانتصار في ما هو قادم من معارك، لأنها تعري هشاشة وضع خصوم الوحدة الترابية المغربية، وبؤس وضعية صنيعتهم البوليساريو، وينبئ ببدء العد العكسي لكتابة شهادة الوفاة لكيانها المشوه: جمهورية الوهم الصحراوية.
هنيئا للمغرب وأبنائه برسوخ إيمانهم بمغربية أقاليمهم الجنوبية.. هنيئا للملك محمد السادس برؤيته وحسن قيادته وحمله لأمانة الحفاظ على المصالح الوطنية.. هنيئا للدبلوماسية المغربية على حنكتها وعملها الدؤوب.. هنيئا لرجال الأعمال والمستثمرين المغاربة الذين اقتحموا مجاهل إفريقيا بشجاعة.. وهنيئا لشركاء المغرب وأشقائه الأفارقة، الذين أسهموا بدورهم في إرجاع المغرب إلى أسرته وبادلوه وفاء بوفاء.. وهنيئا للمنطق السليم وحقائق الجغرافيا والتاريخ، التي انتصرت اليوم على الأوهام والمغالطات، وشهدنا عودة المغرب إلى البيت الأفريقي، رغم أنه لم يغادر يوما أسرته الأفريقية.