بعد أن حصل المغرب على دعم غالبية الدول الإفريقية لطلبه في العودة إلى البيت الإفريقي الكبير، واستكمل عملية المصادقة على مواثيق الاتحاد، بما تحتويه من “ألغام”، ونجح في توثيق علاقاته الاقتصادية مع دول كانت تعتبر إلى حد قريب من المعسكر المساند لجمهورية الوهم، تبدو الطريق معبدة أمام استرجاع المغرب لمقعده الفارغ بعد أزيد من ثلاثة عقود من الغياب، رغم مناورات الساعة الاخيرة البائسة واليائسة على حد سواء، والمتوقع أن تحاول الجزائر وجنوب إفريقيا، وبعض الداعمين الصغار، من خلالها التشويش على هذه العودة المظفرة، ليس من أجل الوقوف في وجهها، حيث يبدو جليا استحالة ذلك، ولكن من أجل محاصرة تداعياتها المستقبلية.
فالمغرب، وفي حركته الدبلوماسية الكثيفة المستمرة منذ أزيد من سته أشهر، والتي يقودها عاهله الملك محمد السادس شخصيا، لا يعتبر العودة بحد ذاتها هدفا، وإنما وسيلة لتكريس سيادته على أقاليمه الجنوبية، وأداة من أدوات الصراع على مغربية صحرائه، عبر محاصرة التأثيرات السلبية التي طالما مارسها خصوم وحدته الترابية من خلال “الاتحاد الإفريقي”. وعلى نفس المستوى، يمكن قراءة الحركة الاقتصادية النشطة التي قادها العاهل المغربي مسلحا بتجربة بلاده التنموية، وقوة قطاعه الخاص، ونموذجه التعاوني جنوب- جنوب، وذلك داخل بلدان بعيدة عنه جغرافيا، ومتمايزة لغويا. حركة نشطة، من السذاجة حصرها في سياق تدعيم فرص عودته إلى الاتحاد الإفريقي، والتي ضمنها منذ القمة الماضية عبر الطلب الذي وقعته غالبية الدول الإفريقية، مطالبة بتجميد عضوية البوليساريو ودعما للعودة المنتظرة للمغرب، ودون الحاجة للتحرك من عاصمة ملكه حتى، بناء على رصيد علاقاته التاريخية المتينة مع هذه الدول. لكن السياق الأسلم لقراءة توجيه المغرب ل 85 بالمائة من استثماراته إلى القارة السمراء، هو إدراكه لكون الساحة الإفريقية شبه خالية من اللاعبين الاقتصاديين الأفارقة الكبار، رغم ما يمكن أن يقال عن ضخامة الاستثمارات الجنوب إفريقية في محيطها الإقليمي، وكذا نظيرتها الكينية شرق القارة.
وعليه، فمن غير المتوقع أن ينكفئ المغرب على نفسه اقتصاديا وسياسيا بعد تحقيق أولى أهدافه المتمثل في الانضمام للاتحاد، بل الاستمرار وبقوة في رهانيه السياسي: إنهاء عضوية البوليساريو في الاتحاد، والاقتصادي: التحول إلى الفاعل الاقتصادي الأول في مجمل جهات القارة السمراء.
وهنا، تبدو معركة طرد البوليساريو من عضوية الاتحاد أو على الأقل تصحيح وضعيتها كونها ليس دولة وفق المواثيق الدولية، أولى المعارك السياسية وأهمها، لاسيما وأن هناك 28 دولة قد أيدت سلفا هذا المسعى، ويبقى للرباط أن تكسب ثمانية أصوات أخرى لتتمتع بأغلبية الثلثين المؤهلة لتعديل مواثيق الاتحاد التي تحول دون هذا الأمر. معركة راهنة أخرى ستشهدها أروقة المؤتمر في أديس أبابا بعد أيام، وتتمثل في تدعيم المغرب لحلفائه في نيل مقعد رئاسة المفوضية وكذا منصب مفوض الأمن والسلم الذي تحتكره الجزائر منذ تأسيس الاتحاد. تحد دبلوماسي آني، تسعى الرباط لكسبه لما لهذين المنصبين من أهمية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فكان رائعا أن يستكمل العاهل المغربي جولاته الإفريقية بالسفر إلى غانا وزامبيا وجنوب السودان، بمعزل عن قمة الاتحاد، لأنها من جهة تعتبر استكمالا للجهد المستمر منذ شهور لتحقيق استراتيجية المغرب القارية، ومن جهة ثانية، تزيد من عزلة خصوم المغرب، وتملأ الفراغ الذي طالما ملؤوه بالعطايا والهبات والرشاوى السياسية، على أمل أن نشهد خلال الفترة المقبلة استكمال الزيارات الملكية إلى شرق القارة (كينيا وأوغندا) قبل الانفتاح على دول جنوب القارة التي يوجد للمغرب فيها أصدقاء وفرص، تؤهله لتبوء المكانة التي تليق به.