كما احتضنت اتفاق تحرير التجارة العالمية، وإنشاء منظمة التجارة العالمية، بالتوقيع على اتفاقية الجات التاريخية عام 1994، تعود عاصمة النخيل، مراكش، لاحتضان مؤتمر المناخ الثاني والعشرين، حيث ستلتزم خلاله الدول الموقعة على اتفاق باريس، بإدخاله حيز التنفيذ. لهذا كان حرص العاهل المغربي الملك محمد السادس كبيرا على تذكير الدول المصنعة، الكبرى في مساهمتها في الاقتصاد العالمي، والكبرى كذلك في مسؤوليتها عن تدمير مناخ الأرض تبعا لذلك، نقول، تذكيرها بما التزمت به، من جمع لمائة مليار دولار، وكذا التزامها بخفض انبعاث الغازات إلى حدود يمكنها أن تسهم فعليا في عكس عقارب الساعة، ومحاولة تدارك الدمار الحاصل لمناخ كوكبنا الأزرق، والذي يترجم سنويا إلى ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة، وما ينجم عن ذلك من أعاصير ودمار، وتخريب لغطاء الأرض النباتي وتهديد لمواردها المائية ونفاذ لمخزوناتها الغذائية.
قد يبدو التغير المناخي في أسفل قائمة اهتمامات المواطنين العاديين، نظرا لفشل الإعلام في تبيان مدى أهمية هذا الموضوع ومصيريته بالنسبة لحياتنا، فقراء وأغنياء، وما يرتبط به من شح للمواد الغذائية وارتفاع لأسعارها. لكن أن يبدو عديم الأهمية كذلك بالنسبة لقطاع واسع من المقاولات ورجال الأعمال، بدليل الموقف السلبي لرجل الأعمال الذي أصبح رئيسا للدولة ذات المسؤولية الأكبر عن تدمير مناخنا، فهو الأمر البعيد عن الاستيعاب والتبرير.
إن تحمل الدول المصنعة لمسؤولياتها عن تدمير المناخ، والذي للمفارقة تدفع ثمنه الأكبر الدول النامية، ليس منّة أو صدقة، حتى يسهب العالم في محاولة استعطافها من أجل المساهمة في تحمل تبعاته الكارثية، ومحاولة تسخير قدراتها العلمية والتقنية لإصلاح ما يمكن إصلاحه، عبر تكثيف جهودها الهادفة إلى تشجيع الابتكار في مجال الطاقات المتجددة والنظيفة، والأهم، جعلها في متناول الدول النامية. أما أن يختصوا أنفسهم بهذه التكنولوجيا، ويتركوا لمعظم الدول النامية ما استغنوا عنه من تكنولوجيات وطاقات ملوثة، فسيجعل جريمتهم مزدوجة.
إن ريادة المغرب في مجال الطاقات النظيفة والمتجددة، ووضع خبراتها في خدمة الدول الإفريقية خاصة، والنامية على وجه العموم، هو سلوك أخلاقي قبل أن يكون أي شئ آخر، ومن شأن تكثيفه أن يعطي للمغرب إشعاعا يدعم جهودها الدبلوماسية ودورها الإقليمي والعالمي. في المقابل، فعلى المغرب أن يرفع من سقف طموحه ويتحول من لاعب إقليمي قاري إلى فاعل دولي، وذلك عبر الانضمام إلى الدول التي رفعت سقف التحدي للوصول إلى مستوى “100 بالمائة” من طاقته عبر مصادر متجددة رفيقة بالبيئة، بدل السقف الحالي المحدد في 52 بالمائة المستهدفة عام 2030. صحيح أنه تحدّ صعب، لكن المغرب أبان عن قدرته على مواجهة التحديات الصعبة، وبقليل من الجرأة والإبداع، سيكسبه كما كسب تحدي الحفاظ على تجربته الديمقراطية، واستقراره في محيط متفجر، وتحديث بنيته التحتية دون موارد نفطية، وعدالته الانتقالية، ومناعته الأمنية، وتسامحه الديني، وباقي تحدياته التنموية.
وعلى هامش هذا التحدي، فالمغرب مطالب كذلك بكسب رهان تأمين المياه التي تعاني معظم دول العالم شحه وندرته، حتى يبقى بعيدا عن الحروب المستقبلية على هذه المادة الحيوية، والتي تطل برأسها في أكثر من مكان. وبموازاتها، يستطيع أن يكسب معركة تأمين المستقبل الغذائي لمواطنيه، بشكل يجعله في مأمن من تقلبات أسعاره عالميا.
إن احتضان المغرب لقمة المناخ، يعكس من جهة الموقع الذي أصبح يتمتع به عالميا على هذا المستوى، ويشكل اعترافا عالميا بالخطوات التي قطعها على مختلف الأصعدة المرتبطة بهذا الموضوع، ولا يقتصر فقط على تكريس صورته كمكان يستطيع جمع واستضافة دول العالم للحديث في الشؤون الكونية. وهي أمور ستصب لا محالة في خانة تقوية إشعاع هذا البلد، وتكريس الرؤية الجريئة والطموحة لقيادته، ممثلة في رؤية وجهود ملكه الذي يتحرك في كل مكان، ويكسب لبلاده التحدي تلو الآخر.