لا نحتاج للجن تحقيق أو تقصي حقائق، من أجل إصدار حكم ببشاعة حادثة مقتل بائع أو صائد أو تاجر الأسماك- لا يهم- محسن فكري بمدينة الحسيمة، فبشاعة الحادثة تغني عن كل قول، وجلال الموت يلزم الجميع بالوقوف صمتا أمام جثمانه، وقراءة الفاتحة على روحه وأرواح جميع ضحايا الشطط في استعمال السلطة، والجبروت في مواجهة المواطنين العزل.
قد يكون محسن مخطئا، قد يكون ارتكب مخالفة قانونية لبند هنا أو هناك، تاجر بأسماك لم تحترم قواعد الصيد أو حتى كانت مسروقة أو مهربة، مهما فعل، ومهما كانت “جريمته المفترضة”، لا يستطيع أحد تأييد “حكم الإعدام” الذي اتخذه من أصدر بحقه الأمر بتشغيل مطحنة الأزبال، سواء تلفظ بعبارة “اطحن مّو” أم استخدم عبارات أخرى، ليس فقط لأن عقوبة الإعدام التي أصدرها بحق الصياد الأعزل لا يمكن أن تتناسب بحال من الأحوال مع “الجريمة الافتراضية” التي قد يكون ارتكبها محسن، لكن، وهذا الأهم، أنه أتاح لنفسه أخذ القانون بيده، ولعب دور رجل الأمن والقضاء في آن معا، وكانت النتيجة ما نحن فيه.
إن الوقوف ضد أخذ المواطنين القانون بأيديهم، كما نفعل دائما عندما يشتط المواطنون في إنزال عقوبة الاعتداء اللفظي أو الجسدي على من “يعتبرونه مخطئا”، كالمثليين وغيرهم، لا يمكن أن يكتمل إلا بالوقوف بحزم أشد تجاه أخذ رجال السلطة القانون بيدهم، خارج سياق المحاكمات العادلة والنصوص القانونية الصريحة التي لا تقبل التأويل.
إن حادثة مثل مقتل محسن فكري، والتي استشعر المواطنون خطورتها فخرجوا للاحتجاج والتظاهر، من شأنها التغطية على آلاف الإصلاحات التي طالت علاقة رجال الأمن بالأهالي، تجسيدا للمفهوم الجديد للسلطة الذي ما فتئ ينادي به عاهل البلاد الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش. بل إن مأساة كهذه، تأتي في أعقاب خطاب ملكي تاريخي في افتتاح البرلمان، يشدد على ضرورة أن تكون جميع أجهزة الدولة، والمنخرطين في إدارة شأنها العام، في خدمة مواطني هذه الأرض الطيبة، لهو أمر جلل، يجب التعامل معه بصرامة أكبر مما اعتاد المواطنون من قبل.
صحيح أن ضحايا تعسف بعض رجال السلطة في استخدام ما بين أيديهم من سلطات، لم تبدأ بمحسن فكري، وأمثلتهم كثيرة في مختلف المدن المغربية، لكن الطريقة البشعة والمهينة، التي “طحن” بها محسن، تجعلنا نأمل بأن تكون الإجراءات المتخذة بحق من أمر ونفذ هذه الجريمة اللاإنسانية، علامة فارقة يكون ما بعد يوم مقتل محسن مختلفا عما سبقه.
عموما، الجميع يتابع مآلات وتطورات هذه القضية الحساسة، وفي انتظار ذلك، لا نملك إلا القول: #كلنا_محسن_فكري!