في إضافة نوعية للخطابات الملكية المؤسسة، والتي ابتدأها بخطابه حول المفهوم الجديد للسلطة، عاد الملك محمد السادس ليواجه الفاعلين في مجال إدارة الشأن العام بمسؤولياتهم، سواء لجهة الإدارة الناجعة لهذه المسؤوليات والمؤسسات، أو لجهة وضعها في خدمة المواطنين وتحقيق مصالحهم، معلنا بشجاعة أنه إن لم تقم هذه المؤسسات بهذه الأدوار، ولم تعمل على تحقيق هذه المصالح، فإنها “تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها”، وهو ما ينسحب على المسؤولين في مختلف أماكن عملهم وتنوع مسؤولياتهم، الذين يهدفون إلى خدمة مصالحهم الشخصية، على حساب مصالح المواطنين، ليصفعهم أعلى سلطة في البلاد بصرخة استنكارية: “لماذا توجهتم إذا إلى العمل السياسي؟؟”.
إقرأ أيضا: الإدارة المغربية.. “كابوس” المواطن الذي شعر به الملك محمد السادس
بنفس النظرة النقدية، قام الملك محمد السادس برصد أخطاء الإدارة على اختلاف تخصصاتها ومسؤولياتها، معتبرا عن حق، أنه بدون استرجاع ثقة المواطن المغربي بإدارته، وتقريب هذه الإدارة من المواطنين في أماكن سكناهم، وتسريع وتيرة عملها، وتحديث أساليب عملها، بما فيها التفعيل الحقيقي لمفهوم الإدارة الإلكترونية كأحد الوسائل الإدارية الناجعة التي تسهم، إضافة إلى ما سبق، في الحد من آفة الرشوة، وبدون تطوير كفاءات العاملين في الإدارة العمومية، وتلبية حاجات المستثمرين المحليين والأجانب، بدون هذا كله، سيبقى المغرب في عداد دول العالم الثالث، ولن يواكب الطموح الذي تعبر عنه المبادرات الاستراتيجية والأوراش الكبرى المفتوحة في طول البلاد وعرضها.
للمزيد: الخطاب الملكي ..خطة طريق لإصلاح أعطاب الإدارة
قطاع عام، حرص العاهل المغربي على التأكيد أن اختلالاته النابعة من الصورة النمطية الموروثة منذ عقود، كمكان مريح لمرتب ثابت دون عمل حقيقي، هو واقع يجب إنهائه، استجابة إلى حقيقة إلى أن هذا القطاع العام لن يمكنه توظيف جميع المغاربة، وذلك بجعل الدخول لهذا القطاع رهينا بتنافسية عالية، تفتح المجال لأفضل الكفاءات فقط، لأنه الجهاز المنوط به خدمة المواطنين وإدارة العلاقة بالعموم.
هذا الوضوح والصرامة، تضعان على عاتق الحكومة الجديدة، تنزيل هذه المفاهيم على أرض الواقع في جهد إبداعي وحاسم، يجعل تحديث الإدارة العمومية ليس مجرد شعار تضمنه في كتيباتها، حيث ثبت فشله في تحسين مراتب المغرب وسمعته عالميا في هذا المجال، وهو ما ينتظر أن يمر بمقاومة شرسة من معظم العاملين بالإدارة العمومية، الذين استمرأوا فلسفة العمل السابقة، وكذا مقاومة الطامعين بالانضمام إلى “جيش العاطلين العمومي” الذي نريد تقليصه وتغيير فلسفة عمله، وهو ما سيترجم مزيدا من المسيرات في الشارع من قبل المعطلين الباحثين عن فرصة عمل غير مرتبطة بالأداء. شجاعة الحكومة في هذه المجال تحتاج لأن تعضدها شجاعة تشريعية مماثلة من قبل نواب الأمة، لتحديث ترسانة القوانين التي ساهمت في تكريس هذا الواقع على مدى العقود الماضية، وتنزيل مزيد في التشريعات التي تحاصر وتسد جميع منافذ “الفساد الإداري” التي تفاقم الوضع سوءا وتهدر جميع جهود تحسين العلاقة بين الغدارة والمواطن.
وكخلاصة، فالخطاب الملكي الفارق، من المفروض أن يؤسس لمغرب آخر يجعل من كل الجهود المبذولة على مدى العقدين الماضيين ذات جدوى، وذلك عبر تحسين بيئة إدارة الشأن العام، بطريقة تزيد من منسوب الرضى عند المغاربة: عن واقعهم، عن جودة الخدمات المقدمة لهم، عن تكافؤ الفرص المتاح أمام أبنائهم، عن العدالة التي يوفرها لهم قضاؤهم، وعن مستوى التعليم والصحة الذي يتمتعون به، عن مستوى دخلهم، وعن درجة الأمل والثقة بالمستقبل التي يتمتعون بها..