تداخل الأوراق في ليبيا والمستقبل المجهول

تعيش ليبيا هذه الأيام ظروفا صعبة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تصارع الحكومة والبرلمان المنتخب في طبرق حكومة الإنقاذ والمؤتمر المنتهية ولايته في طرابلس.
وشكلت داعش عنصرا جديدا في المعادلة حيث تمكنت من السيطرة على مدينة سرت التي تقع في منتصف ليبيا، وتشكل حلقة الوصل المهمة مع الجنوب، هذا بالإضافة إلى خروج الجنوب الليبي، فعليا، من سيطرة السلطتين في الشرق والغرب، وظهرت، مؤخرا، بوادر صراع في الجنوب بين القبائل العربية والتبو والطوارق الذين لهم امتدادات اجتماعية وجغرافية مع دول الجوار مثل تشاد والنيجر والجزائر .

المزيد: الإرهاب في سرت وضرورة إنقاذ ليبيا قبل فوات الأوان

إن الانفلات الأمني وغياب السلطة المركزية وانتشار الميليشيات وتغلغل عناصر إرهابية أجنبية في درنة وبنغازي وسرت والغرب الليبي، قد حول ليبيا من ساحة صراع إقليمي ودولي، إلى ساحة صراع للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، بل وحتى للقارات، وأعلنت تلك التنظيمات بيعتها للبغدادي كأمير للدولة الإسلامية، كما أعلنت تنظيمات إرهابية أخرى بيعتها للظواهري كزعيم لتنظيم القاعدة.
إن الجنوب الليبي قد يقوم باتخاذ خطوة أخرى في اتجاه تقسيم ليبيا، وذلك بإعلانه الانفصال عن الشرق والغرب إذا ما فشلت جهود المبعوث الأممي إلى ليبيا، برنادينو ليون، في إيجاد مخرج سياسي للأزمة الليبية، أو إذا ما اختير رئيسا للوزراء من الجنوب، وتعذر عليه العمل من داخل طرابلس، فإنه سينقل حكومته إلى سبها لإعادة نفس سيناريو برلمان طبرق.
إن كل هذه المكونات السياسية الشرعية، وغير الشرعية، المحلية والعالمية، تفتقر إلى حاضنة شعبية من الشعب الليبي ومكوناته الاجتماعية، وهي في مجملها تنقسم إلى محورين.
محور الإسلام السياسي ويشمل كل التيارات والحركات والميليشيات الإسلامية، وكل هذه الأطر تقع تحت سيطرة وقيادة جماعة الإخوان المسلمين الليبية المرتبطة، عضويا، بحركة الإخوان المسلمين العالمية، وخاصة الإخوان المسلمين في مصر وتركيا وقطر.
ولهذا فإن التنظيمات الإسلامية في ليبيا تكتسب قوتها من ممارسة العنف والتوحش وسيطرتها على السلاح.
أما التيار الليبرالي فإنه يفتقد، بدوره، الحاضنة الشعبية وهو يحاول أن يتناغم مع مطالب الشعب الليبي والمتمثلة في إعادة مؤسسات الدولة وتفعيل المؤسسة العسكرية وبقية الأجهزة الأمنية، وهنا يأتي دور أنصار النظام السابق الذي إذا لم يتم استيعابه في المفاوضات السياسية، والاعتراف به كطرف رئيسي في المعادلة الوطنية، فإنه سيقوم بتغذية كل الأطراف المتصارعة، والنتيجة بالضرورة هي تفاقم الأزمة الليبية.

المزيد: التطورات الإقليمية ومستقبل الإرهاب في ليبيا

إن ما يفاقم الوضع السياسي في ليبيا هو التشظي الاجتماعي بين كل المدن والقبائل الليبية، والأخطر من ذلك تنامي الشعور الانفصالي بين الأقاليم الليبية، والذي قد يعيد ليبيا إلى مرحلة ما قبل إلغاء الفيدرالية عام 1961.
المشكلة الأخرى والتي قد تسارع في انهيار الحالة الليبية هو وصول البلاد إلى حالة الإفلاس، حيت تنفق ليبيا أكثر من مليار وثلاثمئة مليون دولار في اعتمادات وهمية لتهريب العملة الصعبة لتجار الحرب الجدد أو لتمويل الحركات الإسلامية والإرهاب في ذات الوقت، كما أن الخدمات الأساسية أصبحت معدومة، بما فيها الخدمات الصحية الأساسية والكهرباء والتعليم.
إن الحل الوحيد والممكن أمام الليبيين هو التوافق على تغليب مصلحة الوطن على المصالح الأخرى الضيقة، وأن يقدم كل طرف تقديم تنازلات مؤلمة لإعادة ترميم النسيج الاجتماعي، ورسم خارطة طريق تخرج ليبيا من النفق المظلم، وتعطي بارقة أمل للأجيال الجديدة في التمتع بحياة كريمة.

*كاتب ليبي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *