استقالة الابن «المشاغب» !..

تركت استقالة السيد حمادي الجبالي من الأمانة العامة لحركة النهضة، عديد التساؤلات على الساحة السياسية بين مشكك في خفايا تلك الاستقالة، وباحث عن تفسير مقنع لمغادرة الجبالي لأحد أهم مراكز القرار في حزبه الأم …
والحقيقة ان السيد حمادي الجبالي صاحب مزاج مختلف عن بقية قيادات الحركة فهو يتخذ قراراته بعيدا عن أية ضغوطات، وينفذ ما يراه صالحا ومناسبا ومتماشيا مع المصلحة الوطنية كما يطلق عليها في أكثر من مناسبة … وسبق للجبالي، بالتالي ان شق عصا الطاعة ضد قيادات حركة النهضة حينما كان «يعزف» على وتر مختلف بعد اغتيال شكري بلعيد … وقاده الوضع السياسي والأمني الى الاستقالة من رئاسة الحكومة بعد رفض حركة النهضة الموافقة على تشكيل حكومة تكنوقراط .. ودافع الجبالي بشراسة عن موقفه واشترط تلك الحكومة للبقاء بنفس الموقع … وانتهت المواجهة الى استقالة هي الاولى من نوعها بعد ثورة 2011.
ومنذ ذلك التاريخ، اي فيفري 2013، بقي محتفظا بخطة الأمانة العامة بشكل صوري حتى ان الكثير من الاعلاميين كانوا يتابعون تحركات الجبالي ويتبعونها بالكثير من التساؤلات والقراءات … وبحسب مصادر مقربة من قيادات حركة النهضة، فان امر الجبالي على رأس الأمانة العامة قد حسم منذ فيفري 2013. ولكن القرار لا يمكن ان يتخذ بسهولة داخل حزب سياسي ظل يعاني من المطبات طوال توليه حكم تونس بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات التي مكنته من اغلبية الأصوات … ولم يكن وقتها مهيأ لاقالة الجبالي من ثاني اهم منصب سياسي في حركة النهضة بعد الرئيس، وترك الأمر لوقت آخر، ولعله الآن قد حان ..
ولكن أمر الاستقالة قد رافقته العديد من الأحداث من بينها نفي حركة حركة النهضة في البداية وعن طريق السيد العجمي الوريمي المكلف بالاعلام لتلك الاستقالة … حدث هذا يوم الأحد ليعود الجبالي بنفسه هذه المرة وبعد يوم واحد ويعلن استقالته التي قال ان طلبها يعود الى الخامس من مارس الجاري .. وهذا ترك الكثير من الاسئلة … اولها لماذا اخفت حركة النهضة هذا الخبر الذي يعود الى اكثر من ثلاثة اسابيع ؟ وهل كانت تراهن على امكانية تراجع الجبالي عن قراره في آخر لحظة ؟ أم ان تكتيكا خفيا تتم صياغته بين حركة النهضة وامينها العام لتقاسم الأدوار ومن ثم تشتيت الانتباه، والتحضير مبكرا لكرسي الرئاسة عبر دعم احد ابنائها عوضا عن مرشحين اخرين محتملين لنفس المنصب ؟
عمليا لا يمكن لحركة النهضة ان تأمن جيدا لأمينها العام المستقيل، فقد سبق ان لوى العصا بيدها عندما تشبث باستقالة الحكومة في شهر فيفري 2013 في صورة عدم الموافقة على تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن الاحزاب السياسية .. كما تحدثت الانباء والتسريبات عن امكانية اضطلاع السيد علي العريض بمهمة الأمين العام لحركة النهضة بعد مغادرته قصر الحكومة … فهل ان هذه الاستقالة تأتي تمهيدا لهذا التغيير الذي فرضته عودة الوزراء، القياديين، القدامى الى مقر حركة النهضة بمونبليزير ؟
كل هذه الاسئلة تبقى مطروحة على متابعي الساحة السياسية، ولم ينجح البيان التوضيحي الذي اصدره الجبالي بنفسه في ايقاف نزيف التساؤلات، بل ربما عمقها حينما ذكر ان احتمال ترشحه لمنصب الرئيس يبقى محتملا … كما أنه ترك حبل الود ممدودا بينه وبين حركة النهضة حينما عبر  عن عدم وقوفه وراء مشاكل وتأويلات قد يخلفها قرار الاستقالة …
واذا نظرنا الى أمر ترشح حمادي الجبالي الى كرسي رئاسة الجمهورية، فان حظوظه قد تكون مستمدة اساسا من اقدامه على الاستقالة من رئاسة الحكومة، وابتعاده النسبي عن تأثير الجوانب الحزبية في عمله السياسي … لكن هل يقنع هذا الأمر الناخب التونسي وينسيه اول اغتيال سياسي حصل في عهد الجبالي نفسه ؟ وهل تعود ثقة حركة النهضة الى ابنها «المشاغب» في حال الترشح الى الرئاسة ؟
انها استقالة لغز، فهي حيرت الكثير من المتابعين واتعبت قسطا منهم في معرفة مغزاها ومرماها الحقيقي !..
“الصحافة” التونسية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *