ليبيا وتونس.. والصدمات

هناك كثير من التذبذب والاضطراب يخيم على علاقات تونس بجارتها ليبيا التي تسيطر عليها حكومتان، واحدة معترف بها دولياً، والثانية تصنف متمردة، فضلاً عن عشرات الميليشيات المتطرفة ذات النفوذ الكبير. ومن سوء حظ تونس أن كل طرف من الأطراف في ليبيا لا يكنّ لها الود، لكن الدبلوماسية التونسية مازالت تحتكم إلى ما تسميه العقلانية ومبدأ عدم التدخل في شؤون الغير.
مبادئ الدبلوماسية التونسية التي تربت عليها دولة الاستقلال كانت تطبق عندما يشهد بلد في الجوار، أو غيره صراعاً أطرافه واضحة وأهدافه أيضاً، أما في ليبيا فالوضع ليس طبيعياً على الإطلاق، ومثلما تقف حكومة طرابلس موقفاً سلبياً من تونس، تتخذ الحكومة الشرعية في طبرق الموقف نفسه، أما الجماعات المتطرفة، ومن بينها ما يسمى تنظيم «داعش» الإرهابي، فهي تضع تونس في موضع الهدف لتصيبه بما تستطيع من أذى، وسجلت الأشهر الماضية وقائع لا تحصى حول هذه النوايا الخبيثة، وآخرها الكشف عن ملابسات هجوم متحف “باردو”، الأسوأ في تاريخ تونس، الذي تبين أن القتلة وسلاحهم الإرهابي جاءا من ليبيا، وكان ضمن مخطط رهيب لبثّ البلبلة والانقضاض على السلم الأهلي الصامد أمام التهديدات المختلفة.
لقد نجحت الدولة التونسية في إحباط ما يستهدفها من ليبيا، ولكن المثير للعجب أن ما يصدر من أفعال وتصريحات، سواء من طرابلس أو طبرق وميليشيات أخرى، يطرح أكثر من تساؤل عن طبيعة المراد من هذه الحملة، كأن الأطراف الليبية المتقاتلة فيما بينها اتفقت على إيذاء تونس من دون أي اعتبار لمواقفها السياسية والإنسانية، وهي التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ يعيشون سواسية مع أبناء البلد. وبعد أن زعم التنظيم الإرهابي «داعش» ذبح الصحفيَين المفقودَين، سفيان الشورابي ونذير القطاري، جاء تصريح صادم من عمر القويري وزير الإعلام في حكومة طبرق مهدداً بحرق الرئيس الباجي قائد السبسي، يضاف إلى تصريح سابق له لوّح فيه بفتح سفارة في معقل الإرهابيين بجبل الشعانبي. أما حكومة طرابلس فقد قررت اعتقال نحو 170 عاملاً تونسياً، لأسباب غير مقنعة، بعد لعب بأعصاب المعابر الحدودية لفترة طويلة غلقاً وفتحاً، حسب الهوى، وضمن سياسات صادمة ألفتها تونس، حتى مع النظام الليبي السابق.
هذه الحركات والتصرفات غير المسؤولة، والغادرة أحياناً، من الأطراف الليبية، أياً كانت، يجب ألا تقابل تونسياً بأدب جم، فإذا كان الجانب المقابل لا يعرف أين يقف، يجب على الدولة التونسية أن تكون صارمة ولا تقف في صورة الحائرة وغير القادرة على اتخاذ قرار، وألا تقع مرة أخرى في سوء تقدير العواقب. فبعد الثورة التونسية في 2011 أجمع سياسيو تونس الجدد على أن بقاء معمر القذافي في طرابلس سيهدد تونس، وما دروا أن من سيأتي بعد القذافي سيكون أسوأ ألف مرة، والشواهد كانت دامغة في ذلك الوقت، وها هي تتأكد بوضوح، ولكن السياسة التونسية مازالت تحاول مسك العصا من الوسط، في حين يفرض عليها الواقع مواقف أكثر حزماً تجاه الأطراف المسيئة، بما يحفظ سيادتها وأمنها، ولا يسيء للشعب الليبي المخدوع.

“الخليج”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *