شعب اكبر من قيادته

قال الخالد ياسر عرفات عن اتفاق اوسلو، انه اتفاق الضرورة، وانه الكوب النصف ممتلئ والنصف فارغ، فأما ملء الكوب، او افراغه. واستطاع بحنكته، ونظرته الثاقبة، ان يحوله الى ما يقلق مضجع الاسرائيليين.
اليوم نحن اصبحنا على ابواب حالة مشابهة من الكوب، وهذه المرة مملؤ بدم الاطفال والنساء والشيوخ، والشهداء المقاومين.
لكن الفرق بين الامس واليوم هو في خامة القيادة، سواء في السلطة او في حماس، فالتاريخيون رحلوا، ومهندسو السياسة وحنكتها رحلوا. ولم يستفد الخلفاء من خبرتهم، او انهم احضروا خلفاء للعب دورا مغايرا يسهم في افراغ النصف الاخر من الكوب.
بعيدا عن اي تجريح، او تملق، بل احتراما وتقديسا للدم الفلسطيني، بمشهده البشع الذي تفوق على كل مجازر المحيط، رغم الحصار الاعلامي. وقد وصل الى من تعنيه الرسالة.
بكل جرأة مهنية، وامانة وطنية، واصالة انتماء للقضية، نقول ان القيادة لم تكن في مستوى الحدث، ولا في حضرة وقدسية الدم الفلسطيني،ولا حجم المسؤولية بل كانت عبئا عليه، من طرفي الانقسام، اللذان عادا اليه طوعا في خدمة المحتل المعتدي.
قيادة، كأنها لا تقرأ التاريخ، ولا تجربتها ولا تجربة الاخرين، قيادة كان عليها ان تستنسخ التجربة اللبنانية في العام 2006، اذا لم تكن تريد ان تضيف ابداعا جديدا لتاريخها. كيف تمزج بين المقاومة والسلطة، بين الصمود والتفاوض.
قيادة سياسية، أثرت دور المتفرج، او المتلقي في احسن احوالها، وسوقت نفسها كوسيط، وليس قائدا، لم تجتمع، لم تفتح دورة اجتماعاتها، لم تقم بتقديس الدم الفلسطيني، كما قدست اشياء اخرى. قيادة اقل ما توصف به، انها كانت بعيد حتى عن حك ظهرها، لانها طليت اظافرها بصباغ ماركة امريكية اسرائيلية.
وقيادة مقاومة، لم تحترم قامة الشهداء، ولا الدم القاني، ولم تصمت، وتدع صوت الصواريخ هو من يتكلم، فعملت على استثمار الدم الفلسطيني، في بازارات الصراعات الاقليمية، وجيرت الدم لصالح الاخوان ومحورهما، ولم يكن الاداء السياسي بمستوى الانجاز الميداني. فشعب فلسطين لا يضحي لاجل قطر وتركيا، ولا هو بيدق في صراع اقليمي، هذا هو الفرق بين مشروع وطني يعمل لاجل فلسطين ولو اخفق او اساء التقدير، وبين مشروع جزء من منظومة دولية يضع فلسطين على مقصلة الغير ولو اصاب شيئا من الانجازات.
كان على الطرفان، ان يتوحدا حول ورقة عمل فلسطينية، تحدد الرؤية والشروط، وتزاوج بين القرار السياسي والمقاومة الباسلة، للحفاظ على الحقوق الوطنية والثوابت، والاهم ان لا تختصر فلسطين في غزة رغم شلال الدم، فالصراع هو على كل فلسطين، ولو كانت غزة مشتعلة الان، اي حل كان يجب ان يطرح كرزمة، من الاحتلال الى الاستيطان الى الاعتقال .
اليوم ما زالت القيادة الفلسطينية، تفاوض حول قضايا الشعب من خارج فلسطين، متواجدون في قطر، في وقت كانت فلسطين يفترض ان تكون محجة للجميع.
الكلام يطول ويتعمق بعمق الجراح، لكن اليوم هو للجهاد والعمل، للدفاع عن الدم الفلسطيني والحقوق الفلسطينية، بعيدا عن اي سجالات قد تطول وتطول.
لكن ما يجب قوله، لو ان الخالد الياسر حي، لكان يتقدم الصفوف في غزة المقاومة، بين شعب كان هو اول من يدرك انه اكبر من قيادته.

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *