الياسمين الذبلان

في الذكرى الخامسة لثورة الياسمين الذبلان لم يعد هناك من يذكر البوعزيزي في تونس، فالشعب أنهكته الخيبات المتتالية في السياسة والاقتصاد، وبسبب الإرهاب والتطرف والانفلات الذي طال كل شيء، ووالدة البوعزيزي ذاتها وشقيقته معها اختارتا اللجوء إلى كندا، وقالتا إنهما لم تعودا قادرتين على تحمّل تهجمات التونسيين عليهما وتحميلهما نتائج ما حدث في يناير 2011، والشعب المسكين استفاق على حقيقة مؤلمة وهي أن ما سمي بالثورة لم يكن ثورة، وأن الثوار غير موجودين إلا في أخيلة من كتبوا السيناريو سلفا.
أما المدونون الذين أشعلوا الحريق إعلاميا فقد اختفوا بعد أن انتهوا من أداء المهمة، والشهداء لا تزال قائمتهم الرسمية غير معلنة بعد أن تبين أن هناك من مات في جلسة خمرية ثم أدمج اسمه في قائمة ضحايا الدكتاتورية، بل وهناك من حصل على تعويضات مادية ولا تزال الحكومة تصرف راتبا له وهو يقاتل مع داعش أو جبهة النصرة في سوريا.
أما الرئيس الأسبق فتبين للقوم أنه لم يهرب وإنما تم دفعه إلى الطائرة التي ما إن حلّقت في الفضاء حتى أعلن عن غلق الأجواء لكي لا يعود، وبعد دوامة الحديث عن المبالغ الضخمة التي سرقها وهرّبها إلى الخارج، جاءت التأكيدات من سويسرا وألمانيا وفرنسا بأن لا مال ولا ممتلكات له فيها، كما أن حكاية الكنز المخبأ في القصر كانت جزءا من الفيلم الذي تم إخراجه بهدف شيطنة النظام السابق وبقية الأنظمة العربية المستهدفة.

إقرأ أيضا: الشرطية التي “صفعت” البوعزيزي: ألوم نفسي.. الموت في كل مكان بسببي!

وفي ظل الحرية والديمقراطية تحولت تونس الخضراء إلى دولة مصدّرة للإرهاب، فمن كانوا في سجون النظام السابق تم إطلاق سراحهم بمرسوم دستوري، وقيل إن على الدولة أن تدفع لهم تعويضات لأنهم كانوا ضحايا الدكتاتورية، ثم انتشرت أخبار تحوّلهم إلى إرهابيين في الداخل والخارج، يزرعون الدمار حيثما حلّوا سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق أو في جبل الشعانبي.
وجاء الإخوان إلى الحكم فتغلغلوا في مفاصل الدولة وتغيرت ملامحهم، فمنهم من استثرى، ومنهم من دخل تحت ماكينات التجميل، وانتشر المتاجرون بالدين، وبدأ التونسيون يستقبلون فقهاء من دول شقيقة يبشرونهم بزمن ختان البنات، وجاء من يعلن عن بوادر الخلافة السادسة، ومن يحلل الزواج العرفي والزواج من ثانية دون علم الأولى في تجاوز لقوانين الدولة، وتحولت شؤون الحكم والسياسة إلى شأن يدار في المقاهي بين مافيات متعددة الاتجاهات، وأضحت أسرار الحكومة على قارعة الفيسبوك، وانتشر طاعون الإشاعات والأكاذيب دون حسيب أو رقيب.
كما أصبح بإمكان أي شخص أن يؤثر في السياسة، فالمال قوّام الأعلام والأعمال معا، والصداقات والمصالح الداخلية والخارجية يمكن أن تحول الإرهابي إلى زعيم وطني، ومدمن القمار إلى رمز سياسي والمتحيل الكبير إلى معالي الوزير.
في الذكرى الخامسة لثورة الياسمين الذبلان اكتشف تونسيون كثر أن الديمقراطية ليست نقيضا للدكتاتورية وإنما قد تكون وجها آخر من وجوهها.

*كاتب صحفي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *