فوضى أخرى في المشهد السياسي التونسي

لم يتيسّر للتونسيين أن يستمتعوا بفرحة منح جائزة نوبل للسلام هذا العام للأطراف التي لعبت دوا أساسيا في تجنيب تونس أعمال العنف والفوضى التي كادت تغرق بلادهم في الدم خلال العام 2013، أي في فترة حكم حركة النهضة الإسلامية، فاتحة باب الحوار بين الأحزاب السياسية بهدف نزع فتيل الأزمة الخطيرة التي كانت تعيشها البلاد انذاك.
ففي يوم الإعلان عن الجائزة صرح محمد عبو، وهو زعيم حزب صغير لم يفلح في الحصول على مقعد واحد في مجلس الشعب خلال انتخابات خريف عام 2014 بأنها -أي الجائزة- لا تعني له شيئا. وهو يعتبرها شبيهة بنجاح تلميذ بالغش في شهادة الباكلوريا! وجاءت تصريحات سياسيين اخرين مخيبة للامال، ومحبطة للعزائم.
وسرعان ما انفجرت الخلافات مجددا بين طرفين أساسيين في الرباعي الراعي للحوار، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، أعني بذلك الإتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. فقد صرح أحدالقادة النقابيين بأن الإتحاد سوف يضطر لمساندة الإضرابات التي يهدد بها العمال في القطاعات الخاصة إذا لم تلب مطالبهم في أقرب وقت ممكن. وكرر حسين العباسي الأمين العام لاتحاد النقابات التهديد ذاته بعد حفل التكريم الذي خصّ به رئيس الجمهورية الرباعي الراعي للحوار في قصر قرطاج أواخر الأسبوع الاول من شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الجاري، قائلا بإن “صبر عمال القطاعات الخاصة قد نفد!”.
ومن المحتمل أن تزداد الخلافات بين الطرفين استفحالا لوجود عناصر متطرفة في اتحاد النقابات تعمل دائما على إشعال النار، وعلى نسف كل المساعي التي تدعم الحوار النزيه بين الأطراف المتصارعة. أما اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي ترأسه السيدة وداد بوشماوي المعروفة بنزاهتها واعتدالها فقدأشارت الى أن تونس غارقة راهنا في أزمة افتصادية حادة يمكن أن تؤدي بالدولة الى الإفلاس، راجية من اتحاد النقابات الكف عن إطلاق المطالب المجحفة، وعن التهديد بالإضرابات التي أرهقت الاقتصاد الوطني بحيث لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الضغوطات والأزمات.
ومرة أخرى يعيش التونسيون حالة خانقة من الحيرة والفزع بسبب احتداد الصراعات الداخلية بين الاجنحة داخل حزب نداء تونس الذي يحكم البلاد منذ بداية العام الحالي. وقد ظهر ذلك بوضوح في الإجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية للحزب المذكور في أحد فنادق مدينة الحمامات السياحية وذلك يوم الاحد أول نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 حيث تم اللجوء الى العنف بين الجناحين المتصارعين، واستعملت العصيّ والهراوات لمنع بعض القيادات الحزبية من دخول قاعة الإجتماع. وبسب ذلك، هدد 31 نائبا في مجلس الشعب بالإنسلاخ من الحزب احتجاجا على ما حدث في الحمامات، مطالبين الرئيس الباجي قايد السبسي بالتدخل شخصيا لتهدئة الأوضاع، محملين مسؤولية استفحال الخلافات والصراعات داخل الحزب لنجله حافظ قايد السبسي. غير أن الرئيس أبدى تحفظا في التدخل قائلا بأنه “لم يعد رئيسا لحزب وإنما هو رئيس لكل التونسيين”.

اقرأ المزيد: قايد السبسي يطالب بفتح تحقيق في أعمال العنف داخل “نداء تونس”

والشيء الذي يخشاه التونسيون الذين صوّتوا بحماس لنداء تونس في انتخابات خريف عام 2014 هو أن تفتح الإنشقاقات داخله الباب لكي تعود حركة النهضة الى الحكم.وهو السيناريو الكارثي الذي يخشونه. لذلك يلعن الكثيرون منهم النظام البرلماني الذي أقره الدستور الجديد، والذي بات يمثل عنصرا أساسيا في حالة الفوضى وعدم الإستقرار التي تعيشها البلاد منذ انهيار نظام زين العابدين بن علي في اوائل عام 2011. مع ذلك لا يزال الأمل قائما في أن يتمكن الرئيس قايد السبسي اعتمادا على حنكته السياسية من رأب الصدع الخظطير داخل الحزب الذي أسسه في فترة تغوّل النهضة.
وكانت حكومة السيد الحبيب الصيد قد شرعت مطلع العام الحالي في ما سمّته بـ”تطهير” المساجد التي يسيطر عليها متطرفون يجدعون جهارا الى الإرهاب والعنف. بل أن البعض منهم ثبت تورطهم في إرسال شبان وشابات الى جبهات القتال في سوريا والعراق. وقد أفلحت وزارة الشؤون الدينية الى حد هذه الساعة في مساعيها معيدة الهدوء الى أزيد من 100 مسجد. مع ذلك لا تزال هناك العديد من المساجد التي تخضع لسيطة أئمة متطرفين.
ويعد مسجد “اللخمي” في مدينة صفاقس، عاصمة الجنوب التونسي، واحد من بين هذه المساجد.وقد تمّ القبض أخيرا على خطيب الجمعة رضا الجوادي بتهمة التحريض على العنف، وتنشيط جمعيات دينية موالية لتوجهاته التكفيرية غير أنه سرعان ما أطلق سراحه. ورغم ذلك لا يزال التوتر قائما في مدينة صفاقس، ولا يزال انصار الإمام المذكور يمنعون المصلين من أداء صلاة الجمعة في مسجد اللخمي.
والتهريج ظاهرة من الظواهر الخطيرة الأخرى التي باتت حاضرة يوميا في المشهد الساسي التونسي. فقد استغل سياسيون فاشلون، وفنانون فاقدون للموهبة، وصحافيون من دون رصيد، الفوضى السائدة في المشهد الإعلامي والسياسي لكي يصبحوا” نجوما”. فهم يتدخلون في كل القضايا، ويدلون بارائهم في كل المسائل، سامحين لأنفسهم بإسم حرية التعبير بشتم شخصيات كبيرة، والتعدي على كرامتهم، وإهانتهم من دون حسيب ولا رقيب. وفي الحوارات التي تجرى معهم لا يتحدث هؤلاء عن الازمات التي تتخبط فيها البلاد راهنا ،بل عن بطولاتهم الوهمية، مظهرين جهلا فادحا بمعطيات الواقع.
واحد من هؤلاء رشح نفسه خلال انتخابات الخريف الماضي لرئاسة الجمهورية مدعيا أنه “زعيم الفقراء”. وفي برنامج تلفزيوني سياسي دعي إليه اخيرا تبين أنه لا يعرف ثمن الخبزة في تونس. وعندما أعاب عليه مقدم البرنامج ذلك، استشاط غضبا، وخرج من الاستديو مطلقا الشتائم بصوت عال!

*كاتب تونسي/مجلة “الخليج”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *