هل يدخل الجيش المصري ليبيا؟

تحولت ليبيا الى غابة صحراوية في العصر الحجري، يحارب أبناؤها بعضهم بعضا ويباعون في سوق الرقيق فيشتريهم من يدفع أكثر ليحققوا له أغراضه..انتهت في ليبيا العروبة وخصائصها من شهامة وكرامة ومروءة وإغاثة الملهوف..صارت دولة قراصنة يخطفون الدبلوماسيين ويقتلون ضحايا أبرياء..وكانت آخر مصائبهم جيش مصر الحر الذي تموله قطر وتدربه القاعدة ويخطط له الإخوان.
يقال إن هذا الجيش يستعد لعمليات تفجير وتفخيخ داخل مصر قبيل الانتخابات الرئاسية لإشاعة الفوضى التي ستتزامن مع هجات أخرى من سيناء، والسؤال الملح هل ستترك القوات المسلحة هؤلاء الشرذمة الضالة تدخل مصر وتفعل فيها ما يأمرها به أسيادها..لا أعتقد..استقرار مصر وأمنها وسلامة مواطنيها هو الأساس.
في عام 1978 كان القذافي معترضاً على زيارة السادات للقدس، وأمر بعض رجاله بتنفيذ تفجيرات في أماكن حيوية بمصر كان أشهرها قنبلة مجمع التحرير..أرسل السادات تحذيرا له، فلم يرتدع..أصدر الرئيس الراحل أوامره للمشير أحد بدوي وزير الدفاع انذاك ـ رحمه الله ـ بتنفيذ عملية في 48 ساعة فقط يتم فيها تدمير معسكرات الإرهابيين الذين يهددون مصر وفكروا في إغتيال السادات نفسه..تم تنفيذ العملية، وابتلع القذافي لسانه ولم يكشف عن العملية أو عن الخسائر التي لحقت به والتزم الصمت، وأغلق إذاعة مصر العروبة التي كان يديرها الفنان الراحل عبد الغني قمر ويقلد فيها صوت السادات..
المهم أن الخطر يهددنا الآن من ليبيا أكثر مما يشكله وجود إسرائيل..ليبيا ستتحول الى دويلات فيدرالية أو لنقل إقطاعيات يحكمها “لوردات حرب” وسيتنافسون على هز استقرار مصر طالما أن هناك من يدفع لهم..سيكون الى جوارنا دولة أشبه بالأندلس قديما التي حكمها ملوك الطوائف الذين سلموا الفرنجة الأرض مقابل الذهب..إذا كان الليبيون اختاروا التشرذم والفرقة وفهموا ان الفيدرالية تعني ان يذهب كل فريق بما يملك ويتصرف كيفما يشاء في تهديد دول الجوار سواء مصر أو تونس أو الجزائر فهم مخطئون..لن يسمح الجيش المصري الذي قهر إسرائيل أن يترك قطاع طرق وعصابات تهدد حدوده، بحجه أن الحكم فيدرالي لا يمكن السيطرة عليه أو أن الحكم الذاتي يبتعد عن مركزية الدولة..وإذا كانت الولايات المتحدة تغذي هذا الإحساس فيهم، فإننا قد نجد انفسنا رغما عنا مدفوعين الى تدمير الإرهابيين وأسلحتهم أيا كان المسمى الذي يتوارون خلفه، وربما على الليبيين أن يتعلموا من الدرس الأوكراني، فالمصريون في ليبيا بكافة مدنها مهددون ومطاردون ويقتلون يوميا..وهو ما لا يمكن السكوت عنه.
من كان يظن أن البديل لنظام القذافي الاستبدادي بكل جنونه وتجاوزاته السياسية والاقتصادية، سيكون الفوضى العارمة التي تجتاح الواقع الليبي في الوقت الراهن، فقد انفرط عقد الدولة، وربما تصبح في القريب دويلات، خاصة بعدما نجح إقليم برقة في شرق ليبيا في تصدير أول ناقلة نفط بعيدا عن إشراف الحكومة المركزية في طرابلس، والتي بدت عاجزة عن إدارة شؤون البلاد، وغير قادرة على بسط الأمن في مختلف المناطق الليبية.
ويؤخذ عليها بالتالي أنها لم تستطيع بسط نفوذها على أبرز المرافئ النفطية التي سيطر عليها الانفصاليون في الشرق، بالرغم من الإعلان عن الاتفاق مع الحكومة مؤخرا والذى يقضى بفتح عدد من المنشأت النفطية، في حين دعت حركة “تمرد” بتنفيذ عصيان مدني شامل في كافة المدن الليبية.
بعيدا عن الدخول في المماحكات الداخلية في ليبيا، فمن الضروري القول إن أحدا، ومهما أوتي من قوة وحنكة سياسية، لن يكون بمقدوره معالجة الأوضاع المزرية في ليبيا بين عشية وضحاها، فالواقع الليبي يمثل كارثة حقيقية، فمع سقوط نظام القذافي، سقطت الدولة الليبية بكل ما فيها من مؤسسات وأجهزة، كما أن الجيش الذي يعتبر عماد النظام في أية دولة، لا وجود له في ليبيا، فلم يهتم النظام البائد بهذا الأمر، بل اعتمد على ما يسمى “اللجان الشعبية “؛ باعتبار أن ليبيا كانت في حالة ثورية دائمة، وعندما حدثت الثورة على ذلك النظام عام 2011، سرعان ما تراجعت اللجان الشعبية أمام العناصر الثورية المتلهفة للحرية، وأدى ذلك الى انفراط عقدها، وبلوغ الثوار العاصمة طرابلس بعد مسيرة شاقة من الدماء.
لكن الثوار لم يكونوا يخضعون لقيادة واحدة ولا لولاء واحد، نظرا لغلبة الولاء للقبيلة في المجتمع الليبي، مما أدى الى تشتت شملهم، فأعلنت مجموعات منهم إقليم برقة في الشرق إقليما فيدراليا في يونيو عام 2013، وتم تشكيل حكومة محلية لإدارة شؤون الإقليم.
أما الميليشيات الموجودة في طرابلس وما حولها، فقد ظلت في حالة صراع مع بعضها؛ بسبب انتماء غالبيتها الى التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وكان إقليم فزان في الجنوب قد ظل على ولائه للنظام السابق ولذلك لم يشترك في الحكم الجديد، وأعلن نفسه إقليما فيدراليا في شهر سبتمبر عام 2013 من منطلق أن الفيدرالية تحفظ حقوق المواطنين به.
وقد تضافرت هذه العوامل وسواها حتى جعلت من ليبيا دولة مهترئة، لا امل في عودتها لحمة واحدة كما كانت عليه في السابق. فمن المؤكد أن الفيدرالية هي مدخل تفكيك ليبيا الى دويلات متعددة، وليس لإنشاء دولة عصرية تهتم بتنمية كل المناطق فيها على سوية واحدة؛ إذ كيف يمكن فهم قيام حكومة إقليم برقة بتصدير النفط الى الخارج، من دون العودة الى حكومة طرابلس. ألا يعد ذلك استخفافاً بالحكومة المركزية، وعدم اعتراف بشرعيتها على ذلك الإقليم؟
إن الفيدرالية تعنى الحكم الذاتي في الإقليم ولا تعني استقلال الإقليم عن الدولة، فمثلاً هل تستطيع ولاية أميركية أن تتعاقد مع دول أجنبية بعيدا عن الحكومة المركزية في واشنطن؟
قطعاً لا يجوز لها أن تفعل ذلك، أما في ليبيا حيث تم تفريغ الدولة من مضمونها، بحيث يكون التقسيم ـ فيدرالية ـ هو الحل، كما سبق أن حصل في العراق واليمن.
ومن الإجحاف إلقاء المسؤولية عن كل ما يحدث على الحكومة وحدها على الرغم من إقرارنا بأنها حكومة عاجزة، ولكن كيف ستعمل هذه الحكومة أو أية حكومة سواها في ظل أجواء الفوضى هذه؟ فلا قوانين مرعية، والجيش والشرطة انفرط عقدهما، والسلاح بمختلف أنواعه في حوزة القبائل والأفراد، وبقايا النظام السابق الموالون له لا يزالون يسيطرون على بعض المناطق، وخزائن الدولة تكاد تكون خاوية على عروشها – فلا مداخيل تأتي الى الخزينة العامة سواء من ضرائب أو من خدمات أو من بيع نفط وثروات باطنية أخرى – حتى بلغ الامر بعجز الحكومة عن دفع مرتبات الموظفين العاملين لديها.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة؛ فإن الحديث عن إمكانية إقامة دولة قوية ـ في ليبيا لن يعدو أن يكون أماني لا دليل عليها. ولا شك في أن الشعب الليبي عليه أن يدرك أن الفيدرالية ليست خياراً جيداً لمستقبله، فقد تكون هناك حساسيات داخلية حول شغل الوظائف والحصول على المزايا، لكن ذلك ليس مبرراً أبداً للتفكير في تحطيم وحدة ليبيا وتهديد جيرانها.
فالمستقبل يزدهر بوجود دولة ليبية قوية تكون لكل أبنائها، وإذا لم يستوعب الشعب الليبي ما يحدث في بلاده، وإذا لم يسرع الى الوقوف صفاً واحداً مع بعضه بعضا، فإن ليبيا لن تكون أحسن حالاً من الصومال التي سقط النظام فيها عام 1992 وكانت هناك أحلام كبيرة لدى الشعب الصومالي بالحرية والعيش الرغيد، لكن ما لبثت الغمة أن انقشعت، وظهرت النزاعات الانفصالية، وتحولت الصومال الى دولة للفوضى الدائمة حتى هذا اليوم.
ان مصر تنظر بقلق بلغ الي التطورات السلبية على حدودها الغربية، كما تتوجس من حالة الاستهداف غير المبرر لابنائها العاملين في ليبيا.. وقد ترغمنا الظروف علي فعل ما نكره لكننا نمارس اقصى درجات ضبط النفس حتى لا ينتهزها احد كفرصة اخرى لتشويه مصر في الاعلام الغربي ولدى المجتمع الدولي.
“ميدل ايست أونلاين”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

One comment

  1. كلا صحيح

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *