تحولت قاعات الدرس في المغرب خلال الآونة الأخيرة إلى حلبة صراع بين الأستاذ والتلميذ، فبعدما كانت المدرسة الفضاء الأول للانضباط، وحسن السلوك وتنمية روح التعاون بين الفاعلين في المجال المدرسي، أصبحت في يومنا هذا مسرحا للعديد من السلوكات العنيفة، لم تستثن لا الأستاذ ولا التلميذ.
وفي هذا الصدد، يرى الدكتور إبراهيم الحمداوي، الباحث في علم الاجتماع، المختص في سوسيولوجيا الجريمة والانحراف في تصريح خاص لـ مشاهد24، أن ما يصرف على التعليم من أموال كبيرة لا يعكس ما هو مأمول من المدرسة، والشاهد على ذلك هو التناقض الصريح بين المقصد الجوهري المدرسي، والذي هو التهذيب والتربية وتقويم السلوك وإعداد الأطفال جسديا وأخلاقيا ونفسيا، وتهيئهم للاندماج والانخراط في المجتمع وبين الواقع الذي يجعل من المدرسة في يومنا هذا حلبة صراع ومصدراً للسلوك العنيف.
وأضاف الحمداوي، أن العنف المدرسي، يكون بالضرب والسب والشتم والغش في الامتحانات، والسرقة وتناول المخدرات والعنف اللفظي والجسدي سواء بين التلاميذ أو بين الأطر التربوية والإدارية أو ضد ممتلكات المؤسسة.
وأكد الباحث في علم الاجتماع، أن أسباب العنف في المدارس تنقسم إلى (فردية وأسرية وسوسيو افتصادية).
فالأسباب الفردية، تكمن في الحاجة إلى إثبات الرجولة لدى الشباب، والذي يكون تحت تأثير مجموعة من التقلبات العقلية والانفعالية والفيزيولوجية، والتوتر الناتج عن عدم إشباع بعض الحاجات المادية أو النفسية، والخضوع للضغوط النفسية الناتجة عن المشاكل الأسرية.
واستطرد الحمداوي قائلا: “إن المعاناة الناتجة عن عدم الاستقرار، وعدم القدرة على تدبير الغضب والشعور بالإحباط في المدرسة، وعدم القدرة على مجاراة الأقران في بعض الأمور، يجعل التلميذ يعاني من مشاكل نفسية واجتماعية وانفعالية تؤثر على تصرفاته وسلوكاته، فيلجأ إلى العنف ضد نفسه وضد الآخرين”.
أما الأسباب الأسرية، والتي تحول التلميذ إلى شخص عنيف لا يمكن التحكم فيه – يضيف المتحدث – فتكمن في “تعذر نقل القيم السوية إليه، بسبب قلة الاحتكاك بين الطفل والأسرة، وعجز هذه الأخيرة لانشغالاتها وجهلها بمبادئ التربية عن تلقين القيم والمعايير وتهيئ الأطفال للعيش والتفاعل داخل المجتمع. كما أن أسلوب التربية يلعب دورا مهما في تحول الطفل أو التلميذ إلى وحش، فالتسلط والقسوة أو الدلال الزائد، كلها أمور تقف حاجزًا أمام تأكيد الذات وتحقيق مكانة في المجتمع، وبالتالي العجز عن تحمل الاحباطات المستمرة في الحياة، إضافة إلى تدبدب بعض الآباء في العلاقة مع الأطفال، وعدم الانسجام الأسري، واللجوء إلى العقاب، كل هذه الأمور تدفع إلى السلوكات العنيفة والمرفوضة اجتماعيا”.
وسطّر الباحث في علم الاجتماع جملة من الأسباب السوسيو اقتصادية، والتي تؤدي إلى تمرد الطفل في فصول الدرس، ومنها أن “الأطفال المتمردين من الأوساط الهشة هم أكثر عدوانية من ذووا الوضع الاجتماعي المريح، لأن ندرة المصادر أو قتلها والفراغ وانسداد الأفق قد يؤدي إلى العنف، إضافة إلى عدم وضوح معايير عامة للسلوك في مجالات الحياة المختلفة، وتراجع القيم الإيجابية”.
ولتصحيح هذا الوضع، يعتقد المتحدث، أنه يجب إعادة الاعتبار إلى الأسر، والاهتمام بالقيم الجمالية، وإعادة النظر في البرامج الإعلامية، والرقي بمحتويات الكتب المدرسية، وجعل الإنسان في صلب الاهتمام في المخططات التنموية حيث يجب الانطلاق منه والعودة إليه، وخلق برامج واضحة تستهدف الطفل والأسرة والمجتمع كي تساعد الأسر على تربية أبنائها، وخلق جو مدرسي يجعل الطفل والشباب والمراهق يحقق ذاته من خلال الأنشطة الموازية والمدرسية.