قال الأستاذ محمد زين الدين بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، إن القرار الملكي الناجم عن تقرير المجلس الأعلى للحسابات يؤثث لمرحلة سياسية جديدة عنوانها العريض هو ربط المسؤولية بالمحاسبة بكيفية عملية.
وأوضح في حديث خص به “مشاهد 24” أن القرار يستدعي القراءة في هذا الإعفاء مع ما سينجم عنه من ترتيبات جديدة في المشهد السياسي المغربي وتعديل حكومي كتحصيل حاصل.
واعتبر المحلل السياسي إن العقاب لهؤلاء المسؤولين، مهما كان رمزيا، يتجاوز الإعفاء ليبلغ مستوى أكثر تأثيرا، هو تعبير الملك عن عدم الرضى في أشخاص ذكرهم بالاسم وذكر الأسباب، ما يعني فقدان الثقة في شخص بعينه.
وأبرز زين الدين أن القرار الملكي احترم القوانين والمساطر المعمول بها، بالرجوع إلى نص الدستور حين تحدث عن استشارة رئيس الحكومة.
وبهذا يكون المغرب دشن مرحلة جديدة مع مسؤولي تدبير الشأن العام، تؤكد على أن تحمل المسؤولية يخضع لكثير من الالتزامات الأخرى التي يجب اتباعها، بمعنى أنها تعني المساءلة والتتبع والمراقبة وتحمل التبعات، ولم تعد تعني الريع والحصول على الامتيازات التي اعتادها من هم في مناصب المسؤولية. كما انها تدشين لمرحلة جديدة لا تقتصر على مشروع منارة المتوسط، بل تهم إخضاع كل المنجزات التنموية إلى التتبع، على أن تلي ذلك إجراءات عديدة لم يعد هناك مجال لإغفالها أو تجاوزها، قد تهم مجالس الجهات والمراكز الجهوي للاستثمار ووكالات تنمية الأقايم، والمنتخبين من مواقهع مسؤولياتهم.
وعن مرد هذا التقاعس في القيام بالواجب، يقول زين الدين إن هناك عدة عوامل أهمها السيرة الذاتية للمسؤول المغربي الذي يعتريها مشكل بنيوي بالأساس تتداخل فيه مجموعة من العوامل، أولها مشكل الطبيعة الشخصية لهؤلاء المسؤولين، ومشكل “القنوات” التي تصدر عنها هذه “البروفايلات”، وهي قنوات لا تبني اختياراتها على الكفاءة أو المهنية، بل مازالت تتعامل بمنطق علاقة الشيخ بالمريد، ويحكمها منطق المحسوبية والزبونية. وهذا دور الأحزاب السياسية الموكول لها فرز هذه النخب، وقد قدم رئيس المجلس الأعلى للحسابات جطو أمام الملك تشخيصا دقيقا لهذه النوعية من المسؤولين، الذي تبين أن لا إلمام له ولا نجاعة في اتخاذ القرار وفي إمكانية التنفيذ الأمثل للمشاريع ولا حتى في تبرير عدم القدرة على القيام بذلك عبر تقديم تقرير يلخص أسباب العجز والعراقيل في الآجال المعقولة.
من جهة أخرى، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني أن هذا القرار يسائل اليوم الأحزاب المعنية، في إشارة إلى حزب التقدم والاشتراكية وبنسبة أقل حزب الحركة الشعبية، حول وضعها داخل التشكيلة الحكومية وعلى مستوى المشهد السياسي ككل، مشيرا إلى احتمال خروج التقدم والاشتراكية ودخول حزب الاستقلال “الذي لا ينقص أطرا، كما أنه ليس معنيا بأي اختلالات ذكرها تقرير المجلس الأعلى للحسابات حتى الآن”.
زين الدين اعتبر ما يعيشه المغرب اليوم من أزمة في تدبير الشأن المحلي هو نتيجة أعطاب بنيوية في المشهد السياسي أبرزها ما يسمى في علم السياسة “التصلب التنظيمي” يحول دون استقطاب الأطر الصالحة في المكان المناسب.
واستشهد المتحدث بالرقم المهم الذي سبق لوزارة الداخلية أن قدمته لعدد الأطر في بلادنا والذي بلغ 160 ألف إطار مغربي خارج الأحزاب السياسية، قائلا “هؤلاء من يجب أن يخوضوا تدبير الشأن العام، عوض الاعتماد على منطق المقربين والشيخ المريد الذي تتعامل به الأحزاب مع نخبها، إذ لا تحتاج إلى الكفاءات بقدر ما تحتاج إلى من تعتمد عليه في الولاء والتبعية وحشد الأصوات له حتى يبقى على رأس الحزب” يقول زين الدين، ليخلص إلى أننا “نحتاج فعلا إلى ثورة هادئة في عالم الأحزاب السياسية حتى يمكن تدارك الخصاص في النخبة السياسية وفي الكفاءات على رأس مناصب المسؤولية”.