الرئيسية / سياسة / إسبانيا على عتبة أزمة خطيرة وعودة “سانشيث” لزعامة الاشتراكيين زادت الطين بلة
كاتالونيا

إسبانيا على عتبة أزمة خطيرة وعودة “سانشيث” لزعامة الاشتراكيين زادت الطين بلة

تمر إسبانيا، طبقا لمؤشرات متطابقة ، بأزمة سياسية أكثر حدة من الماضي القريب، مشرعة على كل الاحتمالات بما فيها  السيئة، على خلفية اعتزام الأحزاب الانفصالية في إقليم “كاتالونيا” المضي قدما وبخطى أسرع من السابق، في تنفيذ فك ارتباط الإقليم بالدولة المركزية؛ ما لم تقبل الحكومة الدخول مع المطالبين بالاستقلال في مفاوضات قصد وضع ترتيبات تنظيم استفتاء تقرير المصير، يرى الانفصاليون نتيجته محسومة لصالح أطروحة الاستقلال وإعلان الجمهورية.

ويقاوم، ماريانو راخوي، رئيس السلطة التنفيذية بكل قواه هذا المسار فقد صرح صباح اليوم  الإثنين أنه لن يسمح بانتهاك قوانين البلاد من طرف أقلية معلنا أنه سيتصدى لمحاولات تفتيت كيان دولة في القرن الواحد والعشرين بسرعة فائقة وفي مدى زمني لايتعدى 24ساعة؛ داعيا الانفصاليين لعرض مخططهم على الشعب الإسباني برمته، ليناقشه ممثلو الأمة  علانية في البرلمان الوطني، معتبرا نفسه كواحد من النواب. وهذا تهديد واضح وإعلان من السلطة عن نفاد الصبر لا يمكن أن يتبعه إجراء آخر سوى استعمال القوة.

في هذا التوقيت، جاء فوز “بيدرو سانشيث” بالأمانة العامة للحزب الاشتراكي العمالي، ليصب مزيدا من الزيت على نار الأزمة السياسية المشتعلة في البلاد،بالنظر إلى أن الزعيم الاشتراكي العائد، له أجندة سياسية تخالف تلك التي سارت عليها القيادة الاشتراكية المؤقتة التي دبرت الحزب بعد طرد “سانشيث” من الأمانة العامة في أكتوبر الماضي؛ ما ساعد على تشكيل حكومة وإنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد.

ورغم تصريحاته ليلة الأحد، التي دعا فيها إلى وحدة التيارات والحساسيات، لاستعادة حضور  الحزب الاشتراكي في المشهد السياسي الإسباني؛ فإن الزعيم الجديد  لم يخف نواياه السلبية حيال الحكومة الحالية التي يرأسها الحزب الشعبي المحافظ، ولا يستبعد تقديمه ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة اليمينية  أو على الأقل إرباك عملها في المؤسسة التشريعية  ما قد سيدفع “راخوي”   إلى حل البرلمان وإجراء  انتخابات تشريعية سابقة لأوانها للمرة الثالثة قبل إكمال الولاية؛ علما أنه  طالما أعرب  عن ثقته  في إنهائها بسنواتها الأربع، لكنه صار الآن مجبرا على مراجعة حساباته  والاستعداد لمواجهة معارضة  يسارية من جبهتين: من الاشتراكيين، ومن بوديموس ،الذين يتحينون الفرصة  من  جهتهم للإطاحة بحكومة “راخوي” ولذلك مدوا طعم التحالف مع “سانشيث”  لدرجة استعدادهم سحب ملتمس سحب الثقة الذي أودعوه قبل أيام لدى أمانة مجلس النواب، إن اعتزم “سانشيث” على تقديم ملتمس جديد.

إلى ذلك يختلف المحللون بخصوص تقدير حجم تداعيات الهزة التي احدثها فوز “سانشيث” على من سلم الجميع بفوزها أي منافسته “سوسانا دياث “التي يبدو أن المفاجأة صعقتها وألقت بظلال على مستقبلها السياسي. وما آلمها أنها لم تنل أغلبية الأصوات في اغلب الجهات الإسبانية باستثناء قلاعها في الأندلس حيث زاحمها “سانشيث” واقتنص أصواتا من رصيدها الحزبي هناك؛وهذا مؤشرسيئ بالنسبة لرئيسة حكومة مستقلة  كانت تطمح في قيادة حزب كبير يوصلها إلى قصر “لامنكلوا”.

وعزا محللون إخفاق “سوانا” إلى جملة أسباب  منها أنها لم تقم بحملة ذكية ومكثفة وإنما  اكتفت بزيارة الأقاليم والفدراليات الحزبية  على اعتبار أنها فائزة أصلا ، بينما استغل منافسها حضورها الضعيف في الساحة وعول كثيرا على مناضلي القاعدة، وهم منحازون بالضرورة والفطرة إلى الأفكار اليسارية، لا ينضبطون لتوجيهات  قيادة الحزب التي مالت  بثقلها جهة المرشحة الأندلسية؛ ما يعني تباعدا كبيرا  في صفوف الحزب الاشتراكي العمالي بين قاعدة غاضبة متأججة وبين قيادة معتدلة واعية بخطورة الظرف الذي تمر به البلاد ، لا تنفع فيه ومعه  الأفكار الشعبوية.

وفي هذا السياق أبدى بعض”بارونات” الحزب رغبة في الانسحاب من الواجهة دون أن يسعفهم الوقت لاقتراح من سيخلفهم، وبالتالي فإن الصراع وارد بقوة في صفوف الحزب الاشتراكي، على صعيد انتداب المؤتمرين إلى المؤتمر العام الذين يصوتون على البرنامج المرحلي. وسيحتد الخلاف أيضاعلى صعيد انتخاب الأجهزة التنفيذيةالمقررة مركزيا وجهويا. ومما  يعقد الأمور أكثر، أن الأمين العام المنتخب، يطمح إلى الحصول على تفويض من المؤتمر، يتحرر بموجبه من قيود اللجنة الفيدرالية التي تتولى مهمة المراقبة والفرملة لخطط الأمين العام. فإن حصل “سانشيث” على التفويض المطلق،فإنه سيصبح حرا طليقا، يعقد التحالفات مع من شاء ويشن الحرب على من يخالفه، وهذا ما تتطلع إليه “بوديموس” التي ترنو  إلى احتلال موقع الحزب كقطب يساري في المجتمع.

ولا يتحفظ اشتراكيون من مختلف الصفوف، عن توجيه انتقاد صارم للأمين العام العائد، مفاده أنه مهتم بمستقبله الشخصي قبل التفكير في مصير الوطن والحزب. وهي تهمة ثقيلة يصعب عليه تحملها، لذا يعتقد منتقدون  آخرون أن على “سانشيث” التمييز بين تصويت القواعد الحزبية عليه وبين  التصويت  في الاستحقاقات الوطنية الكبرى التي خسرها ثلاث مرات متوالية، وهو مسنود بحزبه، فكيف ستكون النتيجة والتنظيم منقسم على نفسه بصورة غير مسبوقة في تاريخه والثقة منعدمة في قيادته؟

ومن السابق لأوانه مصادرة نوايا وأفكار “سانشيث” إذ بإمكانه أن يطلب مساعدة الجميع وتحقيق الائتلاف حول برنامج واقعي لا يفرط في تراث الماضي ولا يتجاهل أفكار الحاضر والمستقبل والانتباه إلى التحولات العميقة الجارية في المجتمع الإسباني. ولا شك أنه سيستحضر وهو  يتأمل في مآل الحزب النهاية غير السعيدة  التي طالت أحزابا اشتراكية أوروبية  أخرى واجهت نفس المعضلات:  في اليونان، فرنسا، هولندا، ألمانيا وإنجلترا؛ ليدرك أن الشعبوية بجميع أشكالها، لا تحل مشاكل الشعوب في عصر دائم التقلب.

سيخطئ “سانشيث” إن تصرف بمنطق الثأر والانتقام من الذين سعوا لإقالته في أكتوبر الماضي،وقراره العمل منفردا مع مناصريه واشياعه ، دون الأطياف الحزبية المتفقة أو المختلفة مع خطه. وستكون كيفية تعاطيه مع الأزمة المشتعلة في”كاتالونيا”، اختبارامهما له؛ فإذا خالف أغلبية حزبه وساير “بوديموس” وغيرهم من الفوضويين الحالمين؛ فإنه سيحكم على نفسه بالفشل ثانية، وقد يجبر هذه المرة بالقوة على مغادرة الحزب الذي سيصبح معرضا لخطر التشرذم والانقسام أو التأسيس من جديد على مرجعيات تأخذ بعين الاعتبار ما هو جار فوق  الطبيعة خلاف ما  يدور في أذهان أيديولوجيين مثاليين؟.