الرئيسية / سياسة / ملك إسبانيا في “برشلونة” والانفصاليون خففوا الخطاب لغياب سند خارجي
إقليم كاتالونيا

ملك إسبانيا في “برشلونة” والانفصاليون خففوا الخطاب لغياب سند خارجي

خصت السلطات الإقليمية في إقليم كاتالونيا للعاهل الإسباني، استقبالا، اتسم بالحد الأدنى من شروط اللياقة الواجبة حيال رمز السيادة الوطنية، وغابت عن الزيارة أجواء التوتر في التعبير عن المطالبة بالاستقلال وتقرير المصير الذي دأبت على إشهاره بعض الأحزاب المحلية خلال السنوات الأخيرة وارتفعت حدته منذ أربع سنوات.

وزار ملك إسبانيا نهاية الأسبوع الماضي، عاصمة الإقليم “برشلونة” حيث افتتح صباح يومه الاثنين المعرض الدولي للتكنولوجيا الرقمية، وهو أكبر تظاهرة صناعية حديثة استقطبت هذه السنة حوالي 10 ألف مهني وحيث تعرض آخر الابتكارات والمستجدات الرقمية الذكية.

ومر حضور الملك الذي افتتح المعرض إلى جانب رئيس الحكومة المستقلة ونائبه ورئيسة بلديةبرشلونة،بدون حادث سياسي باستثناء تجمع صغير لحوالي خمسين شخصا رفعوا شعارات ضد الملكية خارج قصر المعارض.

وشدد العاهل الإسباني في خطاب الافتتاح على وجوب التعاون المثمر والمخلص بين الإدارات والمصالح في بلاده، ما يساعد على نجاح تظاهرة دولية مثل التي تستضيفها كل سنة مدينة برشلونة، بالنظر إلى أهميتها الاقتصادية والعلمية

وتأتي زيارة الملك وتخصيص استقبال مؤدب له،  في أعقاب ظهور مؤشرات متواترة على سعي نحو التهدئة بين الحكومة الوطنية في مدريد، والسلطة المستقلة  في”كاتاالونيا” إذ يبدو أن دعاة الاستقلال، عبر تنظيم استفتاء ،باتوا شاعرين  أنهم يتحركون في نفس المربع منذ أكثر من أربع سنوات، فما راهنوا عليه من دعم  دبلوماسي خارجي يوازي الاعتراف بالأمر الواقع، لم يتحقق، والتأييد الذي تحظى به الأطروحة الانفصالية  لم يراوح مكانه  إذ ظل محصورا في نسبة من سكان الإقليم، لا تمثل الأغلبية المطلقة ، وبين بعض الأحزاب اليسارية الشعبوية مثل حركة “بوديموس” التي  لا تستقر على موقف ثابت حيال الحركات الراغبة في انسلاخ بعض الإقليم عن مدريد.

واستفادت الحكومات المحلية السابقة من حالة “التباس” سياسي بينها وبين مدريد، ما جعلها تتصرف وكأنها سلطة مستقلة ذات سيادة على مجالها الترابي،وبالتالي فإن الدول الأجنبية لم تجد  مشكلا في استقبال رسميين من حكومة الإقليم، ما دام “الوئام” قائما بين السلطتين المحلية والوطنية.

وفي هذا السياق، طالما استقبل رئيس الحكومة الأسبق “جوردي بوجول ” أثناء زياراته إلى الخارج بمثل البروتولكول المخصص لرؤساء الحكومات،كونه يمثل سلطة في إقليم ناهض صناعيا واقتصاديا. وسار على نفس النهج سلفه الاشتراكي “باشكوال ماراغال” إلى أن بدأت العلاقة تتأزم في نهاية ولاية “أرتور ماص” الذي ذهب بعيدا بالمطالب الانفصالية بالإعلان الصريح عن تطلع الإقليمإلى إقامة جمهوريةمستقلة،فاصطدت رغبته بجدار سميك ورفض قاطع من لدن الحكومة المركزية التي التزمت بالدفاع عن الدستور بكل الوسائل القانونية المتاحة بما في ذلك التلويح باللجوء إلى  القوة إذا لزم الأمر.

ويبدو أن الانفصاليين أدركوا ولو مؤقتا، أن موقفهم القانوني ضعيف ولا يمكنهم بمفردهم تغيير الوضع الدستوري القائم،كما أن تأييد الأحزاب الفوضويةلهم، لا يعني سلامة العاقبة، وهكذا بدأت تلوح في الأفق مؤشرات وأصوات عاقلةتدعو إلى التهدئة، ساعد عليها انفراج الأزمة السياسية في البلاد وتشكيل حكومة أقلية بزعامة رئيس الحزب الشعبي، ماريانو راخوي، الذي أظهر  من جهته  بعض المرونة والاستعداد للتفاوض على كل شيء باستثناء  موضوع السيادة.

وتعبيرا من، راخوي، عن حسن النية، فإنه اسند ملف “كاتالولونيا” إلى نائبته، سانتا ماريا ساينث، التي عملت إلى جانبه خلال الولاية الأولى وهي المشهود لها  بالذكاء والاطلاع على الملفات  الدقيقة وصبرها على الحوار والتفاوض.

وعقدت نائبة الرئيس، سلسة لقاءات مع المسؤولين في الإقليم وخاصة مع نائب رئيس الحكومة المحلية “جونكيراس” المسؤول عن ملف المالية وأبرز المدافعين عن خيارالاستقلال.وفي نفس الاتجاه،أدلى، أرتور ماص، رئيس الحكومة السابق بتصريحات اشتمت منها رائحة أنه صار مقتنعا بخيارات بديلة لحل الخلاف، ليست الاستقلال التام وحده.

وفي هذا السياق، يرى محللون أن دعاة الانفصال  مضطرون إلى انحناء  رؤوسهم في الظرف الحالي،كونه  غير موات وطنيا ودوليا ، إذ لم يجدوا صدى مؤيدا  لهم في الخارج وخاصة من الاتحاد الأوروبي ، إذ  يستحيل  على جمهوريتهم الموعودة  العيش خارجه  وبدونه  إذا ما رفعت إسبانيا “الفيتو” في وجه انضمامها إلى الأسرة الأوروبية طبقا لما تنص عليه المواثيق المؤسسة للاتحاد الأوروبي.هذا فضلا عن الأصوات العاقلة والمعتدلة في الإقليم التي لا تحبذ القطيعة، رغم تباين  الأراء بينها  والسلطات المركزية،على خلفية التعاطي مع مطالب الإقليم العادلة .

وحاول “الاستقلاليون” أكثر من مرة جر “بروكسيل” إلى تبني مواقفهم، لكن المسئولين في المفوضية الأوروبية وفي برلمان “ستراسبورغ” كانوا حذرين فلم يصدر عنهم أي قرار من شانه إغضاب حكومة مدريد فتفسره  على  أنه تعاطف مع انفصاليي برشلونة.

يشار في نفس الصدد إلى أن الحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا، يلتقي في معارضته لانفصال الإقليم مع الاشتراكيين، لكن هؤلاء يعرضون مقترح”الحل الفيدرالي” الذي يحقق من وجهة نظرهم، استمرار وحدة التراب الوطني وتمتيع الأقاليم بصلاحيات أكبر في تدبير الشأن المحلي لا ترقى إلى الاستقلال.

ويتحفظ الحزب الشعبي من النهج الفيدرالي الواسع، لكن النقاش الخجول الذي  بدأ في صفوفه، يسير في اتجاه التسليم بالتطورات  الواقعة في البلاد وقد يسعون بدورهم  نحو حل توفيقي يأخذ من الفيدرالية ونظام الحكم الذاتي أحسن ما فيهما في إطار  استمرار الدولة الوطنية

لتبقى المشكلة  العصية  في الدعوات الفوضوية المسنودة من طرف اليسار المتطرف والشعبوي التي تدفع نحو مزيد من التصعيد والمواجهة بين برشلونة ومدريد، إن لم يكن  الانسياق نحو أجواء الحرب الأهلية.