متى نصبح سعداء ؟؟؟

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان28 أبريل 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
متى نصبح سعداء ؟؟؟
متى نصبح سعداء ؟؟؟
89e936ab1af480cb8fbeb534c0a342d0 - مشاهد 24

صباح الخيِّر سيدي، اين وجهتك ؟. كانت ابتسامة السيدة الافريقية كافية لإثارة الفرح. هي في جنيف منذ ١١ عاما. جاءت من بوركينا فاسو تعمل سائقة تاكسي. لم يؤثر هدوء سويسرا وبطء الحياة فيها على قهقهة ضحكتها. هي كمعظم الأفارقة تضحك للحياة وعليها. لا الفقر ولا الجوع ولا الاقتتال في افريقيا غيروا شيئا في طباع القارة السمراء.
المسافة بين الفندق السويسري ومحطة القطار قصيرة لكنها كانت كافية لتشرح لي حياتها في جنيف. هي متزوجة من شاب فرنسي. قررا العيش في جنيف لهدوء الحياة ورغدها . أخبرتني عن اجمل رحلة قادتها مع زوجها عبر اوروبا. هنا الحدود سقطت . صار المواطن الاوروبي او المقيم قادرين على المرور من دولة الى اخرى كما يمر العربي من حي الى آخر ان لم تكن بين الحيين طبعا حروب او ضغينة مذهبية او حاجز إسمنتي لأحد الزعماء التافهين .
هنا لا حواجز ولا قطع للطرقات . يعبر القطار مروجا خضراء . ترتمي عليه ظلال الأشجار الوارفة . يلفحه انعكاس الشمس على البحيرات الرائعة الهانئة على طول الطريق . يتمايل بين الجبال وفوق الوديان والأنهر . تنتشر البيوت القرميدية فوق العشب الاخضر على حفافي المياه النظيفة المتلألئة. ينثر الفرح حبيباته الاولى بعد شتاء قاس. تتنزه قطعان الغنم والبقر وسط الحقول . تستأنف الخيول عدوها وصهيلها في انسجام عميق مع هذي السهول المتعددة الألوان.
في ألقطار سيدتان ورجلان يتبادلون الأحاديث طيلة الرحلة . توحي اعمارهم وبياض الشعر بأنهم متقاعدون . يستأنف الحب نشاطه بعد سنوات طويلة من العمل. يعكس ملبوسهم ولغتهم الراقية وظائف عالية قبل التقاعد . تأتي نادلة القطار باسمة تحت عينين زرقاوين وشعر اشقر طويل .يطلب جميعهم منها أقداحا من الشمبانيا. تكشف احاديثم المتناثرة فوق كل ركاب المقطورة الاولى انهم ذاهبون الى باريس . ذاهبون للاحتفال بالعيد الخامس والستين لأحدهم . يتسامرون ويضحكون ويقهقهون .
يبدو كل شيء هانئا وموحيا بالسعادة. يلقي النعاس شاله الخفيف فوق الجميع. تتثاقل العيون إيذانا بالنوم . يندس القطار السريع تحت نفق طويل. ينخفض النور فيرتاح النوم تحت الأهداب وفوقها . تغيب الطبيعة الغناء لتعود وتظهر أبهى بعد النفق . يتثاءب بعض الركاب . يتمايل الشبان على أنغام تنساب الى اسماعهم عبر سماعات الهواتف. تكاد السكينة تسيطر على الجميع .
فجأة تصل رسالة سريعة عبر الهاتف. انفجار كبير في بغداد. ثم اخرى وفاة ضابط كبير متأثرا بحروقه في مصر . وثالثة عن عنف الاشتباكات في حلب. ورابعة عن اغتيال مسؤول امني في جنوب اليمين ……وخامسة عن فشل النصاب في مجلس يكثر فيه النصابون . وسادسة ….ومئة ……كل واحدة اكثر ايلاما من الاخرى
. مسكين هذا الوطن العربي ، بعض سعادة من هم في القطار بنيت على ثرواته. وبعض الإرهابيين الذين يفتكون به ربما ركبوا هذا القطار يوما ما صوبه في رحلة اللاعودة ….وبعض من في القطار ربما يخططون لمستقبله وتقسيمه وثرواته وفدرالياته ….وبعض ممن فيه رسخوا الديمقراطيات في بلادهم ويدعمون الديكتاتوريات في بلادنا
متى نصحو ونفهم ؟ متى نفهم لنصبح سعداء ؟؟؟

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق