الموت في المعركة الخطأ

برصاصة في الرأس ودع إبراهيم بنشقرون هذه الدنيا وانتقل إلى الآخرة، هو يرى نفسه شهيدا كان يقاتل ديكتاتورا علويا اسمه بشار الأسد، والذي قتله كان يرى فيه إرهابيا جاء من المغرب إلى سوريا لزرع الفتنة وإقامة إمارة إسلامية تحت الأعلام السوداء للقاعدة.
الصورة شديدة التعقيد، والأكثر مرارة أن يموت الإنسان في المعركة الخطأ، أو في قضية ليست قضيته. بنشقرون سلفي جهادي سبق له أن حوكم في المغرب ودخل إلى السجن وخرج لكن قناعاته بقيت كما كانت. لا يرى نفسه مواطنا متدينا يعيش وسط أسرته وبلده يمشي في الأسواق ويأكل الطعام ويربي الأبناء، ويعبر عن قناعاته بلا كلاشينكوف ولا رصاص ولا ألغام. بنشقرون كان يرى في نفسه جهاديا عابرا للحدود ولاؤه للقاعدة والجهاد العالمي، لهذا شد الرحال إلى سوريا، وصار أميرا من أمراء حربها، وكان من أكبر القيادات التي تجند الشباب المغاربة للموت في سوريا.
شباب في عمر الزهور جلهم لم يقض إلا سنوات قليلة فوق كراسي الدراسة، وأغلبهم ينحدرون من أسر فقيرة، وكلهم تربوا على العقيدة الجهادية التي لا ترى للمسلم من دور اليوم إلا قتال أمريكا أو روسيا أو أنظمة الاستبداد العربي بالحديد والنار لا بشيء آخر، فلا يفل الحديد إلا الحديد!
الذين يغسلون أدمغة الشباب اليوم، ويحولونهم إلى حطب للنار في سوريا، يقولون لهم إن سوريا بلاد الجهاد، الفريضة الغائبة عند جل المسلمين المتقاعسين، وإن الله جند القاعدة وجبهة النصرة وداعش لقتال الكفار والشيعة والعلويين، وإن استعادة الخلافة الإسلامية لن تكون إلا من أرض الشام والعراق والبقية تأتي… هكذا يزرعون الوهم في رؤوسهم، ولا أحد يقول لهؤلاء الشباب إن سوريا أصبحت مستنقعا آسنا، وإن صراعا إقليميا ودوليا يجري فوقها لا علاقة له بالسنة ولا بالشيعة ولا بالخلافة ولا بالإسلام، وإن الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن الأغلى في هذه الحرب.
النظام السوري الدموي استعمل السلاح لإجهاض الثورة السلمية التي انطلقت من درعا وحلب والرقة وريف إدلب، ولمدة ستة أشهر كانت تتظاهر بلا سلاح ولا أعلام سوداء، ولكي يجر جيش البعث الثورة السلمية إلى العسكرة وإلى الصراع الطائفي جند شبيحة العلويين، ودفعهم لقتل السنة، وذلك لإخراج الثورة من طابعها الديمقراطي إلى فتنتها الطائفية، وكان له ما أراد.
إيران تقاتل في سوريا عن طريق مخلبها المتمثل في حزب الله، لأنها لا تريد لحليفتها في المنطقة أن تسقط، ولا تريد للسعودية أن يكون لها موطئ قدم على حدودها.
 السعودية تمول الجهاديين والجيش الحر لأنها تريد أن تنزع دمشق من أيدي ملالي إيران الذين أصبحوا قوة إقليمية وشبه نووية، ويهددون بالتمدد في المنطقة، واستغلال تذمر الأقليات الشيعية في دول الخليج، لهذا أصبحت المخابرات السعودية جد نشيطة على أرض الجهاد في سوريا، وإلا كيف تدعم السعودية الثورة في سوريا وتحاربها في مصر واليمن والبحرين.
قطر تريد أن تعزز أوراقها الإقليمية عن طريق دعم جيل جديد من الحكام في العالم العربي لمواجهة النفوذ السعودي. روسيا تريد العودة إلى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، والانتقام من الغرب الذي أكل الكعكة الليبية لوحده، وأمريكا تريد أن تتخلص من نظام معاد لإسرائيل، أما وقد تحولت سوريا إلى عش للجهاديين التابعين للقاعدة، فقد صار الهدف مزدوجا.. التخلص من الأسد ومن أعدائه أتباع الدكتور أيمن الظواهري، لهذا فإن الحرب لن تتوقف الآن في سوريا لأن الضحايا الذين يسقطون كل يوم، سواء من الجيش السوري أو من الجهاديين، كلهم أهداف غربية، وكلا المعسكرين عدوان وجب التخلص منهما بأقل كلفة.. ما أروع أن تدفع عدوين لك لقتال بعضهما البعض، وأن تجلس كل مساء لتحصي خسائرهما معا…
في هذه الحرب مات بنشقرون، وهي حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، فماذا سيكون إحساس أبنائه غدا عندما يعرفون أن والدهم مات في المعركة الخطأ، وأن من أفتوه بالجهاد في سوريا يحملون دمه فوق رقابهم.. أمر محزن فعلا.
“أخبار اليوم” المغربية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *