أريحوا الرئيس.. وأريحوا البـلاد!

بقلم: مصطفى هميسي*

العالم كله تغير ويتغير بسرعة رهيبة إلا بلداننا، فهي مازالت قابعة في مستنقع آسن، لا فائدة من أي محاولة لتنظيفه. واقعنا عقيم بل قاتل. البعض قال إنه الاستبداد، والبعض الآخر قال إنها التبعية ومخططات المهيمنين في عالم اليوم، وفي كل الأحوال النتيجة واحدة. صراعات عرقية أو مذهبية طائفية، والنتيجة تدمير دماء وإهدار لعوامل القوة القليلة.
هل تفلت الجزائر من ملامح هذه ”الفتنة الكبرى” التي تتراءى أمامنا؟
أشك في ذلك، فالاستبداد المتحالف مع الرداءة والفساد أعطى ويعطي نتيجة واحدة في كل البلدان، مهما اختلفت تفاصيل كل حالة من الحالات التي تابعناها أو نتابعها اليوم.
في الجزائر نغرق في تفاهة التفاصيل، وتفاهة الركود، وتفاهة الدوران في حلقة مفرغة تعطي الانطباع بأن هناك حركة، بينما هي حلقة تطحن ما بقي من الوطنية وتدمر ما بقي من المشروع الوطني، في صورة ما حدث في مؤتمر حزب الجبهة، جبهة صارت، للأسف الشديد، تمثل رداءة السلطة وتعاسة تحالفاتها وعبثيتها.
فمن لا يحمي جبهة التحريرـ وهي شرف التاريخ، وليست حزب أي رئيس، وأقل من ذلك حزب أي عصبة مصلحية فاسدة رديئة ـ ويجعلها موطئ قدم للرداءة و”البزنسة الفاسدة”، فهو يتلاعب بشرف التاريخ، ويعرض شرف الوطن وشرف الأمة للمهانة. تلك مهازل لا تطاق أبدا، ولست أدري كيف يقبلها من تبقى من المجاهدين، وكيف أوصلوا بعضا من شرف تاريخ الوطن والشعب إلى ما وصله.
منطق الحكم استبدادي متخلف، يستند للرداءة ويدعمها، لا يتورع عن بيع ما يستطيع بيعه من البلاد، حتى بعضا من شرف التاريخ، ومن خيراتها ويرهن ما يستطيع رهنه، فلا حسيب. الأحزاب كيانات، وهمية حينا، وحينا آخر زوائد دودية، ومرات أخرى كثيرة مجرد أبواق مبحوحة لسلطة مريضة بلغت سن اليأس، وأحزاب أخرى تتحرك في أرض بور، فإما أن تستسلم، أو تنتظر فعلا من الذي تعود أن يكون الفاعل، ولكنه بتقدير البعض لم يعد فاعلا.
الرئيس مرة يقال إنه تمكن من الانفراد، هو والدائرة المحيطة به والدوائر الملحقة بها، بكل السلطة، أضعف الجيش وجهاز المخابرات. ومرة أخرى يقال إنه متعب جدا ولا يقدر على متابعة أي شيء، وأن انعدام توافق أو اتفاق هو سبب العهدة الرابعة، وسبب استمرار الوضع القائم.
عمليا الانشغال الأول والمهيمن صار اليوم هو ”صراعات” ناس السلطة، أما الجزائر، دولة ومصالح، فهي متروكة للنهب والرداءة ومتروكة للمصالح الخارجية. ولكن الخطير أننا ننشغل بصحة الرئيس، في حين صحة المؤسسات أكثر تدهورا، وأن البلاد عرضة للفتن وللانهيار، ونغفل عن جعل العقل والوطنية ينتصران على هذا التوجه التدميري، ويتجهان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدولة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاستقرار والوحدة.
كتبت مرة وتحت عنوان ”أريحوا الرئيس” (الخبر 16/11/2011) أقول:
”.. لماذا لا يتخذ القرار؟ لسنا ندري. ربما لأن الأمر في حاجة لاستعدادات خاصة، ربما هو في حاجة لاستشارات متنوعة، من أجل التوصل لتوافق على الحل، والبديل، أو ربما هو تفاديا لإحراج الرئيس فقط، وربما احتراما للشكليات الدستورية. ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب مصلحة البلاد. الركود والرداءة وغياب الرؤية، وقد رأينا ذلك في الموضوع الليبي، وفي الموضوع السوري.. ستجعل الثمن باهظا جدا.. عمليا حتى وإن لم يكن الرئيس قادرا فقط على ممارسة مجموع صلاحيات منصبه، كما ينبغي أن تمارس، فمعنى ذلك أن جهات أخرى تمارسها نيابة عنه، ولو تحت مسؤوليته، فإن ذلك مدعاة لتصحيح الأوضاع. أريحوا الرئيس وأريحوا البلاد بإصلاح حقيقي..”.
كان ذلك منذ ما يقرب أربع سنوات. لم تتغير الحال اليوم، سوى أن حال الرئيس الصحية تدهورت، وحال الانسداد استحكمت، وأوضاع المنطقة تعقدت، والرداءة عمت، وهيمنة مصالح المال الفاسد تعمقت، والركود والتخبط والصراع صارت المظاهر الأساسية لواقعنا البائس. بل صار الحكم أعمى مريضا، منهكا مقعدا، وسيزيده تراجع عائدات الريع النفطي عمى وضلالا.
الفساد في ”الفيفا” أسقط رئيسها رغم أنه تمكن من انتزاع عهدة خامسة، والفساد عندنا يدمر الأخضر واليابس، والمتهمون بالفساد في الحكومة أطول عمرا في السلطة، كأنهم محميون من مواجهة العدالة، مهما حامت الشكوك حولهم. على الوضع القائم أن يريح الرئيس وعلى الرئيس أن يريح البلاد وأن يحفظ لها فرص الخروج من تحالف الرداءة والفساد. فهل ذلك مازال ممكنا؟!!

*صحفي جزائري/”الخبر”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *