سلام.. يا تونس

تدهشك تونس المتوهجة وأهلها الكرماء الطيبين كعادتها درة أفريقيا تقف شامخة، وطنا للعرب الأوفياء والأحرار النجباء. جامعة للعلم والعلماء، حلم المثقفين والأدباء..
تدهشك تونس لأنها تواجه تحديات عصيبة السلاح يتدفق من حدود ليبيا.. ويسبقه ما يقرب من مليون لاجئ ليبي، والإرهاب الأحمق يتسلل إلى أطراف البلد الأنيق الوديع.. بطالة.. وضائقة اقتصادية خانقة.
كل هذا وغيره لم يهز التوانسة على مرارته وثقل عبئه وتبعاته.. يدهشك التوانسة بصلابتهم.. وثقافتهم. وعنادهم المحمود.
أينما وجدتهم في مدارج الجامعات، ومصانع النسيج وحقول القمح.. وهضاب الزيتون.. ومعامل الأدوية.. وميادين الرياضة، ومسارح الآداب والفنون، عزائم مثابرة متوثبة، كفاح لا يكل وصمود لا يلين.
وحين يفرغون يذهبون إلى المقاهي، عادتهم اليومية المحببة.. وهي ثقافة فيها يلتقي الزملاء والأصدقاء ويثار الجدل والحوار… وتتداول النكات والأخبار.
كانت مقاهي شارع الجيب.. والمنار.. وحي النصر وباردو.. وإريانة تلتهب بالجدل الرياضي وتناقل أخبار الترجي.. والنادي الأفريقي والتباري في تحليلات مباريات الصفاقسي والنجم الساحلي.
وبعد ربيعهم الأزهى صارت المقاهي غير كلها سياسة.. وكلا يجرؤ على الكلام.. الزبائن.. والعابرين لماذا لم تنجح الحكومة.. ولماذا ذهب الغنوشي الآن إلى تركيا.. وما هي الصفقة القادمة لا اتحاد الشغل، وما ملامح التحالفات القادمة.
وبالمناسبة فإن تونس بعد الثورة غيرت خمس حكومات، كلما أخفقت حكومة ضغط الشارع والقوى السياسية نحو التغيير، والآن تدير تونس حكومة – تكنوقراط – همها.. الأمن.. والاقتصاد.
وتونس لا تملك غازا… ولا ذهبا… ولا نفطا.. والسياحة موردها الأول ضربها الإرهاب والتطرف فصارت الفنادق خاوية والسواحل ذاوية… ومعالم تونس حزينة حانقة.
تونس ثروتها العظيمة في عزائم أبنائها وقد حصنها الراحل بورقيبة بالعلم والمعرفة فالتعليم إجباري.. ومجاني من الحضانة إلى الدكتوراه.
بينما جارتها ليبيا تربض على واحدة من أكبر بحيرات النفط في العالم… سعى القذافي لتحصينها بالسلاح.. فأغرقها وغرق معها في نهر من الدماء… وعادت لحروب القبيلة… والجاهلية.
ولم يجد الليبيون غير مستشفيات تونس للعلاج… ومدارسها للدراسة.. وأهلها للضيافة… ورغم.. المصاعب.. والزحمة.. والأزمات فلا شكوى… ولا تذمر.. هؤلاء أخوتنا وأهلنا يا مرحبا بهم في تونس الكرم والوفاء.
وما بين تونس واليمن حكاية تطول.. وإرث لا يزول.. حب الشعوب.. وإعجابها وإيثارها لبعضها لا يقاس بقصر المسافات ولا تختصره الأيام والساعات ولا تحجبه السحب والمحيطات.
إنه يقاس بعمق المشاعر.. وطول المسودة وعرض الاحترام.. وثقل المحبة.. وارتفاع التقدير.
يتقاسم اليمنيون والتونسيون، الألقاب والأنساب، ويتشابهون في جل العادات والتقاليد.
مدينة سوسة كانت تسمى حضرموت ومدينة الكاف تنسب إلى عائلة الكاف في مدينة تريم، وكتب التاريخ الإسلامي، تذكر أن مؤسس مدينة تونس هو حسان بن النعمان الغساني الذي يرجع نسبه إلى اليمن.
تفتح المعاهد والجامعات التونسية ذات السمعة العلمية المرموقة.. والمعايير الأكاديمية الصارمة. قاعتها وفصولها لطلاب اليمن.. ولا تسألهم دينارا واحدا.
سلام عليك يا مهد قرطاج.. والقيروان.. يا واحة الفرح والأمان.. يا وطن العظيم الشابي.. والبطل القمودي يا وطن إخوتي وأهلي.. وموضع ثقتي وفخري يا تونس الخضراء ملهمة الكتاب والشعراء.
“الثورة” اليمنية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *