من يصنع السلاح يصنع الإرهاب

الإرهاب والسلاح وجهان لعملة واحدة، لا يستقيم احدهما من دون الآخر، فهما قطاران على سكة الموت، وتوءمان في رحم واحد يولدان معا ويقبران معا، فحيثما وجد السلاح وجد الإرهاب. ومتى ما وجد السلاح وجد الإرهاب، وما تسابق الدول فيما بينها على بناء ترسانات السلاح إلا تسابق نحو ترسيخ مفهوم الإرهاب، فالدول الأقوى تخيف الدول الأضعف وتملي عليها إملاءاتها بقوة السلاح والتسلح، وإلا ما الذي يجعل لإسرائيل اليد الطولى في الشرق الأوسط، تضرب في سوريا وتضرب في العراق ومصر والسودان ولبنان والأردن وليبيا ويقف العالم مكتوف الأيدي لا حول له ولا قوة، وما الذي يجعل من أمريكا وروسيا مثلا دول عظمى غير قوة السلاح وامتلاك أسلحة الدمار الشامل من سلاح نووي وذري. ولولا قوة السلاح ما تميزت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن باستخدام حق الفيتو دون غيرها من الدول، فعدد سكان بريطانيا وفرنسا ليس بأكثر من سكان الهند فلماذا لا يحق للهند استخدام الفيتو كما يحق لبريطانيا وفرنسا.
صناعة السلاح اليوم أخس من صناعة الإرهاب في ميزان المبادئ والقيم، كلاهما لا يخضع لضوابط أخلاقية ولا مبادئ سامية، فصناعة السلاح اليوم أصبحت اخطر بكثير على الإنسانية من صناعة الإرهاب، ولعل صناعة السلاح وحرية بيعه في الأسواق العالمية ووصوله إلى الدول المتخلفة التي يجتمع فيها الفقر والجهل هو احد العوامل الرئيسة لانتشار الإرهاب، فالسلاح اليوم يشكل آلة الإرهاب وذراعه الذي يبطش به، ولو التزمت الدول المصنعة للسلاح بالمبادئ والقيم الإنسانية لما تاجرت بالسلاح كما يتاجر النخاس ببضاعة الجسد، تجارة السلاح اليوم دعارة لمن يدفع أكثر ونقدا، وكلاهما يخضع لمزايدات السماسرة وألاعيب النخاسين، ناهيك عن التجارة بالأسلحة الفاسدة والمنتهية الصلاحية والمتقادمة، وتمتص الدول الصناعية الكبرى بمصانع السلاح دماء العالم الفقير المتخلف فتستولي بتجارة السلاح على فائض الدخل القومي وحاصل التنمية، ولو صرفت مبالغ مشتريات السلاح في الدول العربية والأفريقية الأسيوية في صالح التنمية على مدى الخمسين سنة الماضية، لما وجدنا فيها من يبحث عما يسد رمقه وسغب بطنه من القمامة؟
والسؤال الذي يطرح نفسه من يزود نظام بشار الأسد بالسلاح والعتاد الذي يستخدمه ضد شعبه، ويقتل مئات الآلاف ويهجر الملاين في العراء بمأساة إنسانية لم يشهدها شعب، فهل تمطر السماء بنادق وتحمل الأشجار رصاصا وتنبت الأرض ألغاما، أم تصنعها الدول الكبرى وتصدرها هدايا للشعوب المغلوبة على أمرها، وكيف وصل السلاح إلى حزب الله بهذه الكميات فأصبح أقوي وأمكن من المؤسسة العسكرية اللبنانية بل ويهددها ولا تجرأ على صده؟ ومن سلح الحوثيين حتى استطاعوا دحر قوات الجيش اليمني وسلب أسلحته الثقيلة؟ وكيف استطاع تنظيم الدولة الإسلامية داعش مقاومة حكومتين عربيتين سوريا والعراق في آن واحد واحتلال ما يقرب من نصف أراضيها لولا تجارة السلاح، وهل يخفى على دول الغرب من يبيع السلاح من وراء ظهرها إذا كانت هي لا تبيعه بشكل مباشر، فكميات السلاح التي أصبحت بيد الإرهابيين لا تترك مجالا للشك، أن الدول العظمى تعرف من يقف وراء انتشار السلاح وتغض الطرف أو تتغابى لغاية في نفس يعقوب.
ومن يتحمل وزر وذنب ملايين الضحايا الأبرياء سواء من البشر أو سائر الإحياء يسقطون سنويا بلا ذنب جنوه ضحايا في التفجيرات وقصف الطائرات والراجمات والمدفعية والبراميل المتفجرة التي تتساقط على المدن المأهولة بالسكان المدنيين، ألا يعد ذلك إرهابا حتى لو كان تحت شعار مكافحة الإرهاب زيفا وخدعة، ومن يتحمل مسؤولية الحروب الأهلية التي ما فتأت تتنقل من بلد إلى أخر، ومن يتحمل خطيئة من يسقط تحت الأرجل بين هذا وذك في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، إنها الدول الصناعية الكبرى المصنعة للسلاح فقد ولد من رحمها الإرهاب وتربى وترعرع في كنفها، ولا يخدم إلا مصالحها.

“البلاد” البحرينية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *