مهمة صعبة… لكنها ليست مستحيلة

أصبح لنا دستور جديد، وحكومة جديدة.. مكسبان تحققا بكثير من التوافق وبكثير من التنازلات المتبادلة.. وهو ما خلّف روحا إيجابية، أحدثت بدورها انفراجا ظاهرا لدى كل التونسيين والتونسيات.. لكن هل يكفي هذا الإنجاز؟ وما المطلوب لتفعيل هذه الروح والأجواء الجديدة لمواجهة التحديات الحقيقية الماثلة أمامنا.. والتي ليس أمامنا من خيار غير النجاح في رفعها؟
فلقد جاء على البلاد وعلى الشعب زمن تصاعدت فيه التجاذبات الى القمة.. وبلغت فيه الصراعات والخلافات ذروتها.. ما ألقى بظلال كثيفة من الشك والاحتقان كانت كافية لتعطيل كل شيء أو تكاد.. ومثلت مناخات ملائمة لانتشار آفات جديدة علينا ليس أقلها الجريمة المنظمة والارهاب الذي وجد في حالة الانفلات الأمني وفي أجواء الاحتقان أجواء ملائمة للانتصاب في البلاد وتكديس السلاح.. بل إنه لم يكتف بذلك بل تعدّاه الى الفعل مجسّدا في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.. وكذلك في استهداف جنودنا في الشعانبي وأمنيينا في أكثر من نقطة..
كل هذه العوامل تضع الحكومة الجديدة أمام ضرورة التحرّك الشامل وفق خطة شاملة ومنهجية مدروسة.. ذلك أن حكومة السيد جمعة تتحرّك في أجواء كلها استثنائية.. فالشعب الذي أحرقته نار الأسعار وأنهكته دمارات الانفلاتات وما خلفته من فوضى وعدم استقرار يرى في الحكومة الجديدة فرج كل كروبه. والاقتصاد الذي توقفت عجلته أو تكاد بتراجع كل المؤشرات وبانهيار العديد من المؤسسات وبفقدان آلاف التونسيين مواطن رزقهم ينتظر المتدخلون فيه من حكومة السيد جمعة جرعات أكسيجين عاجلة لضخّ الحياة في شرايينه.
والمواطن الذي سكنته الهواجس والمخاوف من انتشار الإرهاب وعربدته ينتظر من الحكومة الجديدة خطوات ثورية جريئة لاستئصاله وإراحة البلاد والعباد من شروره. والأحزاب السياسية التي عانت من تحزّب الحكومات السابقة والتزامها بأجندات حزبية تريد أن ترى الأوضاع قد تعدّلت بشكل يؤمّن مناخات ملائمة لممارسة الديمقراطية وفسح المجال للتنافس النزيه في انتخابات حرّة وشفافة لا عنف فيها ولا «روابط حماية ثورة» تكدّر صفوها.
باختصار، كل التونسيين والتونسيات يتوسّمون خيرا في الحكومة الجديدة وينتظرون أن تشرع دون إبطاء في الاستجابة لانتظاراتهم. وهذا العنصر بقدر ما يجعل مسؤولية السيد جمعة عسيرة لأنه لا يملك عصا سحرية يغيّر بها كل الواقع بين عشية وضحاها.. فإنه يسهّل هذه المهمة ويخلق لها مناخات إيجابية من خلال الإجماع الحاصل حولها.. إجماع يبدأ بالمواطن وينتهي بالمنظمات الوطنية والأحزاب والجمعيات لكي يقدّم كل طرف اسهامه في المجهود الوطني لرفع التحديات الكبرى ممثلة في إنعاش الاقتصاد وإطفاء نار الأسعار ومعالجة ملف البطالة وفي محاربة التهريب واستئصال الإرهاب لتهيئة أجواء من الهدوء والاستقرار تبقى ضرورية لإنهاء الانتقال الديمقراطي في أفضل الظروف.
“الشروق” التونسية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *