بن فليس.. الأرنب الذي يـُقتل في سباقين؟

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان28 يناير 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
بن فليس.. الأرنب الذي يـُقتل في سباقين؟
بن فليس.. الأرنب الذي يـُقتل في سباقين؟
649c1b234f9e05214b0a8859fe37993f - مشاهد 24

لا بد أن السيد علي بن فليس أخذ طعما أوليا مبكرا عن شكل الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر وكيف سيكون وضعه فيها كمرشح يمنحه أنصاره حظوظا قوية.
الطعم، بلا جدل كبير هو: مـُرّة وصعبة (الانتخابات) وقد لا تختلف كثيرا عن انتخابات 2004 التي كلفته، ومن أيده، الكثير.
تذوّق بن فليس هذا الطعم الأسبوع الماضي عندما أعلن ترشيحه في أحد فنادق العاصمة وسط حشد كبير من أنصاره والفضوليين. أراد بن فليس أن يكون ذلك الإعلان حفلا سياسيا له وللجزائر والعملية السياسية فيها، فأعاده التلفزيون الجزائري إلى المربع الأول: مربع الأحادية وتقديس من في الحكم مع تهميش خصومه، إذ لم يخصص هذا التلفزيون أكثر من أربعين ثانية للمرشح الجديد.
اعتـُبرت الثواني تلك تقدما، لأنه كان بإمكان القائمين على التلفزيون الجزائري إهمال الخبر تماما، ولا يوجد هناك ما يخيفهم أو يردعهم.. وقد فعلوها سابقا في حالات مشابهة. ربما كانت الأربعون ثانية حركة لحفظ ماء وجه هذه الإمبراطورية العتيدة المسماة التلفزيون العمومي (الحكومي)، وحتى لا تمنحه فرصة أن يقول: لقد ظلموني أو تآمروا عليّ!
عندما أراد مساعدو بن فليس لفت الانتباه، رد مسؤولون بالتلفزيون، وحتى الإذاعة في صحيفة ‘الوطن’، بأن الرجل نال حقه في هذه المرحلة وهو ما يزال ‘مرشحا للترشح’ ولا يمكن الحديث عن ترشح كامل ونهائي، وفق تعبيرهم.
في الجزائر، التلفزيون هو المقياس والمؤشر للمعلقة قلوبهم بالمناصب. العاملون في الشأن العام وفي الوظائف المهمة، وفي السياسة والمقربون منها، ينتظرون نشرات الأخبار كي يعرفوا اتجاه الريح في البلاد أو يتكهنوا به.
وزراء يؤخرون تحركات قوافلهم إذا ما تأخر فريق التلفزيون. اجتماعات رسمية تأخرت ساعات لأن مصور التلفزيون ‘ضاع′ في زحمة سير قاتلة بالعاصمة! هم لا يعملون لصالح البلد أو الناس، بل لكاميرا التلفزيون.
مسؤولون في الدولة ووزراء أُطيح بهم في التلفزيون قبل أن يـُبلـّغوا بالقرارات الرسمية. وآخرون استنتجوا أن طريقهم وصل إلى نهايته، عندما غـُيبوا من نشرات الأخبار في هذا التلفزيون.
كي يعرف وزير مدى حظوته ومكانته لدى الرئيس وبين صانعي القرار، ينتظر نشرة الثامنة مساءً. إن لمع نجمه وبرزت صورته، فهو في عيشة هنيئة.
قادة الأحزاب يعقدون ندواتهم السياسية ومؤتمراتهم الصحافية وكلهم لهفة لحضور التلفزيون، ينتظرون فريقه كمن ينتظر أمّاً لم يرها منذ عقود. ثم ينصرفون إلى بيوتهم في انتظار نشرة الثامنة ليقيسوا مدى الرضا عنهم. هناك قادة أحزاب مُسحوا تماما من نشرات الأخبار شهورا وسنوات، فقط لأنهم ليسوا على تناغم مع الجهات الفاعلة الماسكة بزمام الحكم.
عامَل التلفزيون السيد بن فليس في ذلك المساء بتلك الطريقة لأنه تجرأ وترشح قبل أن يـُعلن الرئيس بوتفليقة نيته وموقفه من هذه الانتخابات، أي أنه تجرأ وقفز قبل الرئيس، ما يحيل إلى نيته ‘الجادة’ في منافسته على الكرسي. وهذه خطيئة في الأعراف التي كرّسها بوتفليقة منذ 1999 والتي تصر على أن: لا أحد قبله، ولا أحد بعده ولا أحد أفضل منه.
أيضا، في يوم إعلان بن فليس ترشحه، شاهد الجزائريون في التلفزيون الرئيس بوتفليقة وهو يستقبل الرئيس المالي ووفدا كبيراً يرافقه. مرت شهور طويلة منذ توقف بوتفليقة، لدواع صحية، عن استقبال مجموعات من الناس. فهو يستقبل زوارا رسميين بمفردهم، وفي حالات نادرة، اثنين أو ثلاثة، كما يحصل مع رئيس الحكومة عبد المالك سلال ونائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح. يبدو أنها كانت رسالة مقصودة إلى الجزائريين وبن فليس تفيد أن الرئيس سليم معافى يستطيع أداء واجباته الرئاسية، واستطراداً، الترشح للانتخابات المقبلة.
كانت رسالة لا يجب فصلها عن الأربعين ثانية.
بناءً على ما سبق، تميل التحليلات الى أن فرضية أن الانتخابات ستكون ‘مغلقة’ تلعب فيه الإدارة وبقية أجهزة الدولة ذات الدور غير النزيه الذي لعبته في 1999 و2004 و2009، وحتى قبل هذه التواريخ مع الرؤساء السابقين، وفي الانتخابات النيابية والبلدية.. الدور الذي حرم الجزائريين منذ الاستقلال من أن يكون لهم صوت حرّ ومؤسسات حكم منتخبة وتمثيلية.
لا شيء يغري بالاعتقاد أن بوتفليقة لن يترشح. صمته دليل نية ترشح أكثر من علامة زهد في المنصب. تصريحات حلفائه في السلطة من أحزاب ونقابات وشخصيات عامة تصدر متفائلة متباهية وكأن الرجل في الثلاثين من عمره يستطيع مناطحة جبل، أو كأنه حقق للجزائر معجزات اليابان أو ألمانيا.
وترشح بوتفليقة يعني ببساطة أنه سيفوز ويبقى رئيسا. كيف والتفاصيل الأخرى تـُحسم لاحقا بالشكل الذي يريده ويرضاه الرئيس، وكما حُسمت مسائل أخرى سابقا، بتأييد نفس المجموعات والزُمر، ومعارضة محتشمة لا تعدو كونها ظواهر صوتية مؤقتة.
بوتفليقة ينظر الآن إلى بن فليس، كما في 2004، على أنه مرشح مجموعة في الحكم ضاقت ذرعا بالرئيس الحالي، لا كمرشح حر صاحب طموح مستقل. وهذه تكفي لإيقاظ أحقاد 2004 بين الرجلين، حتى وبوتفليقة يعلم أن خصمه سيكون أرنبا ولن يهزمه (مثلما لم يهزم أي خصم رئيسا عربيا ترشح للتجديد لنفسه).
وهذه الصفة ليست بعيدة كثيرة عن الصواب، فالسيد بن فليس اعتكف في بيته منذ انهزم في الانتخابات الرئاسية في 2004، لم يقل كلمة سياسية واحدة بصوت مسموع، ولم يـُعرف له موقف واحد يـُحسب له والبلاد تغرق في الديكتاتورية الإدارية وفي كل أنواع الفساد. ثم بعد عشر سنوات يعود طامحا في كرسي يتمسك به صاحبه كتمسكه بالحياة.
في كل الأحوال، في الجزائر لا مرشح حراً إلا من لا حظوظ له ولا أمل فيه، وفي الغالب يوصف بأبشع النعوت.
في الظروف الحالية تشير إلى أن بن فليس قد يدخل التاريخ باعتباره الأرنب الذي يـُقتـَل مرتين ـ في سباقين.
“القدس العربي”

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق