الرئيسية / وجهات نظر / العالم أحمد زويل ضحية إسرائيليات الإخوان المسلمين؟
أحمد زويل

العالم أحمد زويل ضحية إسرائيليات الإخوان المسلمين؟

تعرض العالم المصري الراحل “أحمد زويل” وقد صار إلى دار البقاء، لحملة أقل ما توصف به أنها شنيعة وشرسة؛ تنم عن حقد يسكن نفوسا خبيثة تستغل جهل الناس لترويج الأكاذيب والافتراءات، ما دامت  مطمئنة إلى أن الساحة الإعلامية خالية لا يحكمها منطق أو أخلاق تستند إليها سلطة رادعة.

ويكشف الهجوم الذي تقف وراءه، على الأرجح، جماعة “الإخوان المسلمون” وأنصارها المنتشرون كالفطر في كثير من المواقع والمنابر الإعلامية؛ عن جهل بأبسط القيم الإسلامية التي يؤمن بها عامة الناس وخاصتهم في سلوكهم، من قبيل “اذكروا موتاكم  بخير” مهما كثرت أو عظمت خطاياهم، ما دام حسابهم وعقابهم موكولا إلى الله سبحانه وتعالى يوم لقائه.

هؤلاء “الناشطون” المقنعون المندسون في شبكات التواصل الرقمي  هم ميلشياتلـ “الإخوان”  تسللوا إليها  بالحيلة والمكر، مكلفين بخدمة أجندات، لقاء مبالغ،  باعتبارهم “جند الله” في الأرض، يفضحون المنكر ويحاربون الظلال  إعلاء  لراية إسلامهم؛ والحال أنهم لا  يميزون، غفر الله لهم،  بين العالم “زويل”  المخترع الذي كافأته مؤسسة “نوبل” على إنجازاته العلمية الموجهة لخدمة الإنسانية؛ وبين المواقف الشخصية  والقناعات الفكرية في الحياة لأي عالم من  مستواه أو دونه. فقد يكون الحائز على “نوبل” متدينا محافظا لدرجة التزمت، ومؤمنا لا يمارس العبادات، مثلما  يجوز أن يعتنق فكرا لا دينيا إلحاديا.

وفي قوائم الفائزين بـ “نوبل” على مدى تاريخها،  نماذج من الأصناف البشرية المذكورة. لم تسألهم المجتمعات المتحضرة والبيئات العلمية المتقدمة التي  كرمتهم عن ما في صدورهم. لا تهمها معتقداتهم الدينية والمذهبية أو أصولهم العرقية ومناطقهم الجغرافية. تشيد  بسيرتهم العلمية  وتعلي فيهم روح الإسهام بذكائهم الخارق وصبرهم  في  تحقيق السعادة للبشرية وتيسير عيش الناس حاضرا ومستقبلا، باكتشافاتهم العلمية المبهرة،  فاحتلوا عن جدارة صفحات مشرقة  في سجلات عظماء التاريخ حيث كتبت  أسماؤهم بحبر الاعتراف والثناء والتقدير.

ربما، لا يوجد قوم  مثل بعض العرب، يهاجمون  النابغين  فيهم ويحطون من قيمة رأسمالهم الرمزي لدرجة إنكارهم والتنصل منهم، على غرار ما  يدعو ويروج له محسوبون على “الإخوان المسلمين” من الجماعات المتزمتة السائرة على نهجهم.

ومن المؤسف أن يكون بينهم فلسطينيون، انخرطوا  في جوقة التخوين والادعاء بأن منجزات العالم المصري في الفيزياء، ساهمت في تطوير منظومة الصواريخ الإسرائيلية لاستخدامها في الحرب ضدهم.

لو تحلى المنتقدون بذرة من العقل والإيمان، لألقوا على  أنفسهم السؤال البسيط: لماذا لا تسارع الدول العربية والإسلامية إلى استثمار نتائج اختراع العالم المصري “زويل” بمجرد الإعلان عنها؟ ومن الذي يمنعها  من  توفير البيئة العلمية لتطبيق نظرياته والاستفادة منها؟

إسرائيل، التي يقال إنها  كرمت “أحمد زويل” في سياقات وملابسات لا نعرفها، يوجد بها مؤمنون وملحدون، يمينيون ويساريون، معتدلون ومتطرفون،  صهاينة عدوانيون، ومتعاطفون مع الشعب الفلسطيني..  تلك الأطياف كلها لم تنظم مظاهرة احتجاج  أمام وزارة الحربية في”تل ابيب” للتشكيك   في القدرات العقلية   للعالم المصري وذكائه واجتهاده وصيته الواسع  في مراكز البحث والمختبرات العالمية العريقة.

صار من البديهي التأكيد  أن الجامعات العبرية ومؤسساتها  البحثية هي المصنفة، أحببنا أم كرهنا، ضمن الأرقى  والأشهر في العالم.  فلا غرابة  إذن أن يتسابق  العلماء فيها إلى ما  توصل إليه “زويل” أو غيره، بدون عقد  وبصرف النظر عن  أصله وفصله، فالعلم لا وطن له ؛علاوة على إن المنتسبين لمجتمع العلم والمعرفة   يتواصلون فيما بينهم عبر قنوات وعلاقات مشفرة ؛ وبالتالي فهم مطلعون مباشرة على ما توصل إليه  زملاؤهم  في أمكنة متباعدة؛ كما أن نتائج الأبحاث غالبا ما تكون منشورة ومتاحة في الدوريات المتخصصة التي يتبادلونها باستثناء المتحفظ على خطورة نتائجها.

وتعتبر إسرائيل، العلم سلاحا ناجعا في السلم كما  الحرب،  لذا لا  تفوتها فرصة الاطلاع على الجديد الأصيل  فيه. وليس بمستغرب أن تسعى لمعرفة  خلاصة الذكاء  البشري أينما وحيثما كان بمختلف الوسائل والإغراءات.

لقد نفى “زويل” قيد حياته، الأباطيل التي لاحقته بدون شفقة ولا رحمة  وهو على سرير المرض وتحت الأشعة.  لم يراع  المتحاملون عليه  ظروفه الصحية المتدهورة،  بل صعدوا الحملة  حتى بعد أن أسلم الروح لباريها؛ وكأنهم استكثروا دفنه تحت ثرى بلده طبقا لوصيته.  شنوا  عليه حربا إعلامية بلا هوادة، أججها جهلة مزايدون؛ شغله عن تسفيه منطقهم التفرغ لإكمال  بحوثه وتجاربه  وتوجيه طلابه، فضلا عن تلبية الدعوات التي تصله من المحافل العلمية ومن أعرق الجامعات ومن صفوة الباحثين يستقبلونه بالتبجيل والتقدير.

أية جريرة ارتكبها العالم الراحل، ليكون عرضة لحملة مسعورة، حيا وميتا؟ لا يوجد سبب  سوى أنه أكثر من التردد على مصر بعد عزل الرئيس الإخواني، محمد مرسي، استجابة لرغبة  شعبية عارمة طالبت بتنحيته  بعدما رفض الاحتكام للشعب في انتخابات رئاسية جديدة، تمنحه التفويض المطلق أو يعود لحال سبيله.

يمكن أن نتجادل بخصوص شرعية ما يسمى “ثورة 30 يونيو” باعتبارها قضية سياسية متصلة بالصراع على السلطة في مصر.

الأخوان وأنصارهم  اعتبروا  إزاحة “مرسي” عن الكرسي “انقلابا على الشرعية” وهذا حقهم المطلق كمعارضين جاراهم فيه البعض من منطلق أن ما أقدم عليه المشير عبد الفتاح السيسي، لم يكن  الحل الأمثل،  إذ كانت أمامه بدائل أخرى؟

إنه  نقاش لم يتوقف حتى الآن  في مصر، وينبغي له أن يستمر؛ فتولي منصب رئاسة دولة بحجم أرض الكنانة  ليس  بالمهمة السهلة؛ والنظام الحالي لا يعارضه الإخوان بمفردهم، بل يتحفظ منه مؤيدو الدولة المدنية أكثر من “الإخوان المسلمين” أنصار الخلافة والدولة التيوقراطية الدينية.  هكذا  رأينا  محللين ومعلقين وخبراء في القانون الدستور يبررون ترشيح السيسي،بالامتثال للضغوط التي مورست عليه من طرف زملائه في الجيش لأنهم  لم  يجدوا المرشح المدني  المتوافق معهم، القادر على ضمان الاستقرار لشعب كبير في محيط إقليمي ودولي متقلب بالغ التعقيد . رئيس لا يقصي المؤسسة العسكرية عن منظومة الحكم في مصر.

ولسنا هنا بصدد تقييم النظام السياسي  في مصر، بقدر ما  هي الإشارة الاستنكارية إلى  ما أشاعته جهات لم  تفصل بين “السيسي” وزويل؛ فلجأت  إلى ترويج مغربات لا يصدقها عقل، من قبيل القطع اليقيني بأن الرئيس المصري من  أصل يهودي؟

لفقوا حكايات ونسجوا قصصا خيالية عن علم الأنساب واخترعوا وثائق وهمية وجمعوا شهادات مزورة  لإثبات بهتان صفقوا له  بكل صفاقة. إنها باختصار إسرائيليات جديدة.

هنا مفتاح حملة الإخوان على،  أحمد زويل، المتواطئ في ظنهم مع السيسي. لذلك وضعوهما في نفس  كفة الصهاينة. لقد نسوا أن العالم الراحل ساورته فكرة الترشح للرئاسة أي أنه كان منافسا محتملا للرئيس الحالي.

فرية “يهودية” السيسي  لم  يأخذها أحد مأخذ الجد،  اعتبرها الناس نكتة ثقيلة، لذا بحث المهاجمون عن ضحية  آخر، فلم يجدوا إلا “زويل” فريسة لعدوانيتهم؛ وبما أنه مشغول بعلمه ومرضه، سهل عليهم اتهامه بالعمالة لإسرائيل، بذريعة أنه منحته جائزة واستفادت من أبحاثه في تطوير صناعاتها المدنية أو العسكرية،  كما نعته رسميا اعترافا بعلمه.

وبدل أن تتباهى العناصر التي جندها الأخوان المسلمون، بتفوق عربي مسلم  ونيله نفس الجائزة التي نالها بالمناسبة علماء يهود كثيرون، فإذا بهم يأكلون لحم “زويل” حيا وينهشون قبره.

نسي هؤلاء أن العلماء الحقيقيين  لا تشغلهم سفاسف السياسة. ليس لهم وقت فائض  سوى التركيز على أبحاثهم ومواكبة زملائهم ،يتعبون ويسهرون ويتحملون  الكثير  من أجل خدمة الإنسانية.