الرئيسية / وجهات نظر / قمة نواكشوط والتفسيرات الكيدية لمستوى الحضور
قمة نواكشوط

قمة نواكشوط والتفسيرات الكيدية لمستوى الحضور

يبدو ان بعض الأوساط السياسية والإعلامية الموريتانية مستاءة من مستوى حضور الدول العربية في القمة العربية في نواكشوط. وهذا أمر طبيعي بالنسبة للدولة المحتضنة للقمة، والتي جرت عادة عربية خاصة ان تقيس نجاح القمم بحجم حضور القيادات العربية المادي داخل القمة، بدل قياسه بطبيعة قراراتها وتوصياتها ومدى الالتزام بتنفيذها في الزمن المحدد لها وبالطريقة التي تحددها القمة.

غير ان ما ليس طبيعيا هو البحث عن الأسباب التي دفعت القيادات العربية الاولى الى عدم حضور القمة، خارج الواقع العربي برمته، ومحاولة الغمز في قناة هذه الدولة او تلك على أساس تفسير يقوم على تأثيرها على دول اخرى. ذلك ان هذا السلوك في تفسير المسألة مجحف وغير عادل من جهة، ومستفز من جهة اخرى.

انه تأويل مجحف بالنسبة للدولة التي تتهم بكونها وراء عدم حضور قيادات عربية وازنة. ويبدو واضحا من بعض وسائل الاعلام الموريتانية ان المغرب هو المعني بذلك. وهو اتهام مغرض أساسا لأن المغرب سبق له ان  اعتذر عن استضافة القمة العربية نظرا للظروف العربية غير المشجعة على انعقادها ونجاحها بمقاييس الفعالية والتأثير على مجرى الأحداث. ولولا هذا الاعتذار لما احتضنت موريتانيا دورة القمة السابعة والعشرين أصلا. اضافة الى ان المغرب لم يدخر جهدا لإنجاح قمة نواكشوط كما أشار الى ذلك خطاب الملك محمد السادس الى القمة بشكل لا يقبل اي لبس او تأويل.

من هنا، فإن محاولة اتهام المغرب، وان بأشكال مواربة، وبواسطة بعض وسائل الاعلام المقربة من السلطات الموريتانية، هو نوع من البحث عن اسباب عدم الحضور في غير مكانها الحقيقي. وهو واقع العالم العربي الذي ينبغي اعادة تشخيصه بشكل موضوعي لا توفر الاتهامات المجانية أي فرصة للقيام به كمدخل ضروري للمعالجة، شرط ان تكون النوايا صادقة فعلا.

وهو تأويل مستفز لدول عربية مستقلة وذات سيادة لاتهامها بكونها خاضعة للتأثير المزعوم للملكة المغربية وكأنها لا تملك من مؤسسات صنع القرار ما يجعلها تقدر القرارات التي تتخذها حق قدرها، في مثل هذه المناسبات. ويبدو ان  هذه مجرد عملية إسقاط تنطلق من واقع وممارسات بعض الدول وتحاول تعميمها على غيرها وهو منطق خطير على مستقبل العمل العربي المشترك الذي لن تقوم له قائمة الا اذا انطلق من مفاهيم الندية والشراكة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة، في كل ما هو مرتبط بسلوكها السياسي والدبلوماسي. أو هكذا ينبغي ان تكون عليه الامور على اقل تقدير.

ذلك ان نجاح الدبلوماسية ليس مرادفا لفرض المواقف والحلول على الآخرين. بل هو القدرة على الاقناع الحقيقي للغير بعدالة القضية التي يتم الدفاع عنها. علما ان المواقف والحلول المفروضة بواسطة دبلوماسية الاكراه والقهر ليست مرشحة للدوام، وانما هي معرضة دائما للاعطاب السريعة بارتباط شعور من هي مفروضة عليه بالقدرة على معارضتها والعمل على إبطالها. هذا في حين ان المواقف القائمة على الاقتناع الفعلي بعدالة القضايا المعنية مرشحة للاستمرار رغم كل التقلبات التي تطرأ على اوضاع القوى المعنية بها وموقعها في مختلف معادلاتها.

وعلى هذه القاعدة بنى المغرب علاقاته مع الدول العربية وغيرها لإيمانه العميق ان السياسات الكيدية مآلها الفشل. لكن يبدو ان هناك من لا يرغب في رؤية الواقع كما هو ويعتمد سياسات الإسقاط غير الواقعية وغير ذات الجدوى الدبلوماسية والسياسية.