لا أحد في اسرائيل يؤمن بامكانية نجاح الخطة الامريكية المركبة للتوصل الى هدنة دائمة

أوضح خالد مشعل أمس  مدة 46 دقيقة لماذا لم يوافق على وقف اطلاق النار حتى يُبحث في الـ 11 شرطا التي عرضتها حماس. لكن كان في كل تلك الخطبة دقيقة واحدة أوضح فيها لماذا يوافق على هدنة انسانية يُبحث بعدها فقط في الشروط التي عرضها. ويُحتاج الآن الى محلل جدي عارف بأمر مشعل يُبين ما الذي يقصده حينما يقول لا. يحاول مشعل أن يتذاكى بأن يمنح الجميع شعورا بأنه يصر على رأيه ولا ينوي أن يخضع للمصريين والامريكيين. مع الايحاء في الوقت نفسه بأنه يوجد ما يمكن التحدث فيه بشرط ألا يقولوا إن حماس الاولى التي طلبت وقف اطلاق النار.
والآن ننتظر المجلس الوزاري المصغر. بيد أن الحماسة عندنا لاعلان هدنة انسانية ليست عامة، فهم في اسرائيل ايضا لا يؤمنون بأن الاتفاق الانساني سيفضي الى هدنة دائمة، وبأن حماس ستحظى بوقت تنعش فيه نفسها استعدادا لتجديد اطلاق النار.
معنى هذه الانعطافة هو أن الامريكيين والامين العام للامم المتحدة يجب عليهم أن يعرقوا أكثر قليلا ليدفعوا الطرفين الى طاولة المفاوضات في القاهرة. ويبدو برغم القتامة في الجو أن حماس تجتمع للتحادث بحسب الخطة المصرية.
في اليومين الأخيرين تحولت المبادرة الى الهدنة من نفق بسيط له مدخل واحد ومنفذ خروج واحد الى شبكة أنفاق لها عشرات الأفواه تضمن أن كل من يدخل إليها لن يصل الى بيته بسلام.
يجب أن يُنسب فضل هذا التعقيد كله – الذي يُتحدث فيه بألف لغة ولغة ويُبحث فيه في ألف مصلحة – الى وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي يحرك مسارا منسقا مشتركا مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، وقد جعل هذان الاثنان أنفسهما المهندسين الرئيسين لنفق الخروج من ورطة الجرف الصامد واعتمدا عليه اعتمادا مطلقا. ومصر هي المقاول المنفذ. وسيكون من الصعب جدا على الأطراف بل على حماس أن ترفض ذلك لأن الثمن الدولي سيكون باهظا جدا. فهم يواصلون لعب اللعبة برغم أنه لا أحد يؤمن بأن الخطة الضخمة التي يُدبرونها ستتحقق.
كانت الفوهة الاولى التي أغلقت هي القطرية. وكان من الضروري أن يُساق القطريون بآذانهم كي يكفوا عن إيهام رجال حماس بأنهم يملكون بديلا أفضل. ففي يوم الثلاثاء هزهم السعوديون حتى رضوا وأعلنوا أنه لا يوجد سوى المبادرة المصرية، وهو ما يفترض أن يفضي بخالد مشعل – العزيز على القطريين – الى الاعتراف بالحاجة الى هدنة، انسانية على الأقل.
منذ اللحظة التي انهار فيها المكعب القطري كان يفترض أن يبدأ مسار طويل معوج لرد متسلسل. فقد كان يفترض في المرحلة الاولى أن تقبل حماس مبادرة الامين العام للامم المتحدة لهدنة انسانية لم يحدد الى الآن موعد انتهائها. وأن يدعو المصريون في اطار هذه الهدنة الانسانية ممثلي حماس – وليس واضحا هل يكونون من حماس في غزة أم من الخارج أم منهما معا – وأن يتحدثوا معهم في هدنة دائمة على أساس الخطة المصرية المؤلفة من عودة الى تفاهمات عمود السحاب يضاف اليها ضمانات دولية وفتح معبر رفح وتسهيلات اقتصادية. ونقول بالمناسبة إن اسرائيل ليست لها مشكلة في أن يكون معبر رفح مفتوحا بل بالعكس: فليدخل الفلسطينيون وليخرجوا الى مصر ومنها كيفما شاءوا. بل ليست عندها مشكلة في أن يقف ناس أبو مازن عند باب المعبر أو في أن ينتشروا في محور فيلادلفيا.
اذا تحققت هذه المرحلة تحققا يرضي الاطراف جميعا فسنبلغ الى المرحلة الثالثة التي ستدخل اسرائيل الصورة فيها. وحينها سيجلس الطرفان – الاسرائيلي والفلسطيني – الى المصريين تحت رقابة امريكية ويعرضان مطالبهما. ومن المؤكد أن تطلب حماس معابر مفتوحة وانشاء ميناء، وأن تطلب اسرائيل نزع سلاح القطاع كليا. وفي هذه المرحلة ينوي المصريون أن يدعوا الى المحادثات كل من له صلة بهذا المجال ويشمل ذلك ممثلي الجهاد الاسلامي والسلطة الفلسطينية وجهات من الخارج. بل يتحدث المصريون عن مندوبين من لبنان لهم صلة ما بغزة.
وهنا تدخل المرحلة الرابعة التي لا يعرفون في اسرائيل كيف يبتلعونها، لكنهم لا يؤمنون ايضا بأننا سنصل اليها أصلا. فهنا يعرض المصريون بتوجيه من وزارة الخارجية الامريكية طلبا يتناول تجديد المسيرة السياسية، فهم في الحقيقة يريدون اعادة العجلة الى الوراء، الى شهر نيسان الذي وقع فيه على اتفاق حكومة المصالحة بين حماس وفتح. بل إنهم يخططون لأن تتولى الحكومة في رام الله المسؤولية عن القطاع مع عملية الاعمار ايضا. وهنا ستضطر اسرائيل الى أن تعطي موافقتها على إدخال مواد ذات استعمالين الى غزة – أي تلك التي يمكن استعمالها عسكريا ومدنيا (مثل الاسمنت أو الحديد). ولن تكون لاسرائيل كما أصبحوا يقولون عندنا الآن، مشكلة في ادخال هذه المعدات. لكنهم يُحذرون هنا من أنه اذا ضُبطت حماس مرة واحدة تستعمل هذه المواد استعمالا سيئا فان كل مسار إعمار غزة الذي يفترض أن تصاحبه اسرائيل بصورة ملاصقة للسلطة الفلسطينية، سيوقف فورا. إن الامريكيين أصلا يربطون العجلة أمام الخيول، فماذا يهمنا أن نعِد.
إن هذا الشأن معوج جدا ومركب وامريكي بحيث يشكون في اسرائيل في أن يجد أحد فيه يديه أو رجليه. ولهذا لا يوجد ما يدعو اسرائيل الآن الى أن تجيب بالرفض. ولماذا تكون الولد السيء؟ فاسرائيل اذا توافق على هدنة انسانية وعلى هدنة عادية لأنها لا تؤمن أصلا بأن ينتج شيء عن ذلك. ولا يؤمن أحد في اسرائيل بأن تنجح حماس وفتح في عقد جسر على الاختلافات بينهما. ولا يؤمن أحد ايضا بأن رؤوس حماس الثلاثة  – السياسي والعسكري في غزة وذاك الذي في الخارج – سيتوصلون الى اجماع على مستقبل الحركة وبأنهم سيتخلون عن حكم القطاع.
لهذا تلتزم اسرائيل بتوجه دعوا الفتية يلهون أمامنا. وكل ما تحتاج اليه بعد تدمير الانفاق هو وقف اطلاق النار وهذا كل شيء. وهي ترى أن سائر الهذيانات كلها تنتمي الى قسم العلم الخيالي في وزارة الخارجية الامريكية.

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *