الرئيسية / وجهات نظر / دقائق معدودة لنقاش السياسة الخارجية بين المرشحين لرئاسة الحكومة الإسبانية
الحكومة الإسبانية

دقائق معدودة لنقاش السياسة الخارجية بين المرشحين لرئاسة الحكومة الإسبانية

دقائق معدودة ،هي التي خصصت للنقاش التلفزيوني بين المرشحين لرئاسة الحكومة الإسبانية المقبلة، لقضايا السياسية الخارجية؛ سواء ما تعلق بحضور إسبانيا الفاعل في الساحة الدولية، أو فيما يخص جوارها الإشكالي مع بعض دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، فضلا عن مستقبل ارتباطاتها مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة الحلف الأطلسي؛ ناهيك عن آفاق الخلاف مع بريطانيا بشأن السيادة على جبل طارق؛ سواء ظلت المملكة المتحدة ضمن الأسرة الأوروبية أم فكت ارتباطها النهائي مع القارة العجوز.
كل تلك القضايا الحيوية بالنسبة للسياسة الخارجية الإسبانية، لم تنل ما تستحقه من نقاش معمق يعرض فيه كل مرشح خارطة طريقه وأسلوب تعاطي فريقه الحكومي، وقد دخل قصر “لامنكلوا” مع الملفات الدولية الساخنة والأكثر سخونة، في عالم متحول يواجه مخاطرإرهاب عابر للحدود والقارات.
وقد يكون صحيحا أن ممثلي المرشحين اتفقوا مسبقا مع الصحافيين منشطي الحوار على استبعاد قضايا السياسة الخارجية، لأن الخلاف بشأنها قد يكون أشد من التباين بينهم بخصوص السياسة الداخلية؛ لذلك تم الاكتفاء بإثارة قضية خارجية واحدة هي مسألة اللاجئين، التي استحقت عبارات عامة ومواقف إنسانية من فرسان النقاش الذي استغرق بالمناسبة حوالي ساعتين.
وفي معرض جوابه، أشاد مرشح الحزب الشعبي، ماريانو راخوي، بالتعاون والتنسيق الفعال القائم بين بلاده والمغرب بشأن الهجرة السرية والعلنية، ممتدحا ذلك التعاون، دون تعليق من أحد، في حين أغرق المرشحون الثلاثة الآخرون خطابهم المختصر في مشاعر التضامن مع المهاجرين وتحديدا أولائك الذين أجبرتهم الصراعات المسلحة في بلدانهم والهشاشة الاقتصادية،على البحث عن ملاذ آمن في المهاجر الغربية.
في هذا السياق المحتقن، تكتسي الزيارة الرسمية المقبلة لرئيس الولايات المتحدة لإسبانيا الشهر المقبل، أهمية قصوى بل أنها ربما تعكس، إلى حد ما، قلق الإدارة الأميركية الحالية والقادمة من تقلبات محتملة قد تطرأ على سياسة وتحالفات مدريد العسكرية خاصة وأن تلميحات من ذاك القبيل ، صدرت في المدة الأخيرة عن حزب “بوديموس” المرشح لتبوأ موقع وزازن في الساحة السياسية لإسبانيا ، سواء نجح زعيمه في الوصول إلى منصب رئاسة الحكومة عبر إقناع الاشتراكيين التصويت لصالحه أو تغيبهم على الأقل، عن جلسة  التنصيب بالبرلمان، أو كان الحزب الصاعد، جزءا من التحالف في حال نجاح الاشتراكيين في الاحتفاظ بالرتبة الثانية.
صحيح ، توجد عراقيل كثيرة في طريق، بابلو إيغليسايس، تحول دون تحقيق هدفه الشخصي، قبل الحزبي، ما يفسر تقلبه في المدة الأخيرة بين المواقع الفكرية والإيديولوجية، توج بتحالف انتخابي مع بقايا الحزب الشيوعي الذي سبق أن قال عنه إن انتماءه إليه في شبابه كان خطأ أو خطيئة سياسية ، بررها بحماسة الشباب. والحق أن “إيغليسياس” برهن بذلك أنه مناور خطير قادر على استمالة الأعداء المتشككين فيه.
وفي الجانب الآخر من الصورة ، تنحو قيادات في “بوديموس” يقودها المسئول الثاني المكلف برسم الاستراتيجيات “إينريكي إريخون ” منحى الاعتدال وتلافي تصعيد الخلاف مع الفاعلين الحزبيين الآخرين ، على اعتبارأن الصناديق لم تقل بعد كلمتها الحاسمة.إلا أنه تيار غير قادر دائما على مواجهة شعبوية الزعيم وشطحاته السياسية
قطعا، يثير “بوديموس” وحليفه اليسار الموحد، مخاوف لدى القطاعات المعتدلة في الرأي العام الإسباني، تخشى من  انعطاف بلادها نحو المجهول السياسي وابتعادها عن الحلفاء التقليديين، غير أنها لا تملك الوسيلة ولا القوة لردع فئات اجتماعية وقوى شبابية طموحة جديدة من التصويت لصالح اليسار الجديد والمتطرف وكذا التيارات الانفصالية ؛ أما البديل العددي أي تحالف عريض بين الشعبي والاشتراكي وثيودادانوس؛ فإنه يحمل هو الآخر في طياته بذور الخلاف وترسبات الماضي ، ما لم يتنازل “راخوي” عن حقه الشخصي في رئاسة الحكومة وفسحه المجال لمرشح بديل ،لا سيما وأن بيدرو سانشيث وألبرت ريفيرا، لمحا إلى هذا الاحتمال، كل بأسلوبه،ما من شأنه قطع الطريق على “بوديموس” الذي لم تنجح مغازلته للاشتراكيين ،في محو أثار الكلام المعيب الذي تلفظ به سابقا في حق حزبهم ورموزه التاريخيين.
والواقع أن جزءا من المشكلة يوجد أيضا في القواعد الاشتراكية التي تحبذ نسبة منها الدخول في تحالف مع “بوديموس” لتشكيل حكومة التغيير التقدمي ، مثلما أن “بارونات” الحزب الاشتراكي غير متحدين بصدد الموقف الواجب تبنيه من حكومة يسارية يقومون فيها بدور “المكمل”.
صحيح أن أشهر الرئيس “أوباما “في البيت الأبيض باتت معدودة، لكنه سيخاطب الفاعلين السياسيين الإسبان، بما سيسمعونه من خلفه في المكتب الأبيض، جمهوريا كان أو ديمقراطيا . ومفاد كلامه أن الوجود الأميركي في قواعد عسكرية فوق التراب الإسباني ، ضرورة أمنية ملحة ودفاعية لبلاده ، في ظل وضع إقليمي ودولي متقلب مفتوح على أسوأ الاحتمالات
وهذا الكلام سيوجه بالأساس إلى حركة “بوديموس” وشريكها اليسار الموحد ، ليستنتجوا منه المعاني المقصودة ، وليفهموا أن الإدارة الأميركية ، لم تعد تجد حرجا في التحاور مع اليسار المعتدل والشيوعي ، فقد تراجع خطره بزوال الاتحاد السوفياتي. وقد يشجع هذا التطور ، بوديموس ، وأنصاره على القبول بالأمر الواقع والكف عن معارضة وجود القواعد العسكرية في بلادهم واستمرارهم كشريك في منظومة الحلف الأطلسي.
وسواء صار إيغليسياس رئيسا للحكومة أو تزعم معارضة شرسة ، فإنه سيضطر إلى إخفاء نواياه الإيديولوجية وإقناع رفاقه بمحاسن “الواقعية” إذ بفضلها وصلوا إلى ما وصله حزبهم الذي هم به فرحون ….